النوع الثاني: المواد التي " لا جِرم لها ": أي لا تشكل طبقة ، وإنما بمجرد وقوعها أو وضعها على الجسم تفقد تماسكها وتنحل ، وتتشربها البشرة ، ولا يبقى لها جسم قائم بذاته ، وإنما يبقى أثرها كاللون مثلا. ما هي مبطلات الوضوء - موضوع. مثل غالب الكريمات والزيوت وأثر الكحل والحناء ونحو هذا ، فوجود هذه المواد لا يبطل الوضوء ، لكن إذا كانت المادة دهنية أو زيتية فعلى المتطهر أن يحسن دلك البشرة ليغلب على ظنه وصول الماء إليها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " أما إذا كان الدهن ليس له جرم ، وإنما أثره باقٍ على أعضاء الطهارة ، فإنه لا يضر ، ولكن في هذه الحالة يتأكد أن يمر الإنسان يده على الوضوء لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء ، فربما لا يصيب جميع العضو الذي يطهره ". انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11 / 147).
ولقد أوضح بعض أهل العلم أن هذا الأمر يتحدد بتحديد مصدر هذا الدم، وعلى أساسه يتحدد تأثيره على الوضوء من عدمه. فإذا كان هذا الدم يخرج من إنسان حي ومن مكان آخر غير الدبر والقبل فهو دم طاهر ولا ينقض الوضوء. أما إذا خرج هذا الدم من القبل أو الدبر فهو نجس وينقض الوضوء، مثل دم الحيض والنفاس. وإذا كان هذا الدم يخرج من حيوان نجس في حياته مثل الخنزير والكلب؛ فهو أيضًا نجس عندما يموت، وبالتالي يُبطل الوضوء. وإذا كان مصدر هذا الدم هو حيوان طاهر في حياته مثل الإبل والغنم؛ فهو يصبح نجس بعد موته، ولقد تم الاستناد في ذلك إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام ( قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ). ويرى البعض الآخر من العلماء أن لمس دم الحيوان والإنسان لا يُبطل الوضوء، وذلك لأن الوضوء يُبطَل إذا خرجت النجاسة من الجسم لا عند ملامسته، وأن غسل الأيدي أو الملابس من آثر الدماء يكفي ولا يستوجب إعادة الوضوء. هل تحليل السكر ينقض الوضوء لا، فتحليل السكر لا ينقض الوضوء، لأنه يتطلب الحصول على عينة دم تؤخذ من طرف الإصبع، وبالتالي لا يُعد ذلك من مبطلات الوضوء لأن هذا الدم لم يخرج من الدبر أو القبل.
الفتوى رقم (74) هل حلاقة الشعر تبطل الوضوء؟ السؤال: هل الذي توضأ ثم أراد حلاقة شعره يبطل وضوءه أم لا؟ الجواب: بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد: ذهب فقهاء المذاهب الأربعة الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في المذهب -وهو الصحيح- إلى أن حلق شعر الرأس بعد الوضوء لا يؤثر في الوضوء. قال في الدر المختار: ولا يعاد الوضوء بحلق رأسه. قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: لأن المسح على شعر الرأس ليس بدلاً عن المسح عن البشرة؛ لأنه يجوز مع القدرة على مسح البشرة ولو كان بدلاً لم يجز. ولا يعاد بلُّ المحل بذلك. وقال القرافي نقلاً عن صاحب الطراز من المالكية: لا يعرف في هذه المسألة مخالف إلا ابن جرير الطبري -حيث ألحقه بخلع الخف بعد مسحه- قال: لأن الفرض قد سقط أولاً فزوال الشعر لا يوجبه، كما إذا غسل وجهه أو تيمم ثم قطع أنفه، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحلقون بمنى ثم ينزلون لطواف الإفاضة، ولم ينقل عن أحدٍ منهم إعادة مسح رأسه، ولأنه لا يعاد الغسل للجنابة وهي أولى؛ لأن منابت الشعر لم تغسل قبل الحلق وهي من البشرة المأمور بغسلها، والفرق بين الخفين ومسح الرأس أن الشعر أصل والخف فرع فإذا زال رجع إلى الأصل.