حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويخوفونك بالذين من دونه): الآلهة. قال: " بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى شعب بسقام ليكسر العزى ، فقال سادنها ، وهو قيمها: يا خالد أنا أحذركها ، إن لها شدة لا يقوم إليها شيء ، فمشى إليها خالد بالفأس فهشم أنفها ". حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط ، عن السدي ( ويخوفونك بالذين من دونه) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ، في قوله: [ ص: 295] ( ويخوفونك بالذين من دونه) قال: يخوفونك بآلهتهم التي من دونه. وقوله: ( ومن يضلل الله فما له من هاد) يقول - تعالى ذكره -: ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق وسبيل الرشد ، فما له سواه من مرشد ومسدد إلى طريق الحق ، وموفق للإيمان بالله ، وتصديق رسوله ، والعمل بطاعته ( ومن يهد الله فما له من مضل) يقول: ومن يوفقه الله للإيمان به ، والعمل بكتابه ، فما له من مضل ، يقول: فما له من مزيغ يزيغه عن الحق الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ( أليس الله بعزيز ذي انتقام) يقول - جل ثناؤه -: أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه ، ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته.
تفسير و معنى الآية 36 من سورة الزمر عدة تفاسير - سورة الزمر: عدد الآيات 75 - - الصفحة 462 - الجزء 24. ﴿ التفسير الميسر ﴾ أليس الله بكاف عبده محمدًا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه مَن أراده بسوء، ويخوِّفونك -أيها الرسول- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك. ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق، فما له مِن هاد يهديه إليه. ﴿ تفسير الجلالين ﴾ «أليس الله بكاف عبده» أي النبي، بلى «ويخوّفونك» الخطاب له «بالذين من دونه» أي الأصنام، أن تقتله أو تخبله «ومن يضلل الله فما له من هاد». ﴿ تفسير السعدي ﴾ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء. وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿ تفسير البغوي ﴾ قوله عز وجل: ( أليس الله بكاف عبده) ؟ يعني: محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي: " عباده " بالجمع يعني: الأنبياء عليهم السلام ، قصدهم قومهم بالسوء كما قال: " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " ( غافر - 5) فكفاهم الله شر من عاداهم ، ( ويخوفونك بالذين من دونه) وذلك أنهم خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - معرة الأوثان.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أى: من يضلله الله- تعالى- فَما لَهُ مِنْ هادٍ يهديه إلى الصراط المستقيم. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ يقول تعالى: ( أليس الله بكاف عبده) - وقرأ بعضهم: " عباده " - يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه. وقال ابن أبي حاتم هاهنا: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي ، حدثنا أبو هانئ ، عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري; أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع به ". ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح ، عن أبي هانئ الخولاني ، به. وقال الترمذي: صحيح. ( ويخوفونك بالذين من دونه) يعني: المشركين يخوفون الرسول ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دونه; جهلا منهم وضلالا; ولهذا قال تعالى: ( ومن يضلل الله فما له من هاد) ﴿ تفسير القرطبي ﴾ قوله تعالى: أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادقوله تعالى: أليس الله بكاف عبده حذفت الياء من " كاف " لسكونها وسكون التنوين بعدها ، وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين ، إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل.
يبدِّلون القيم، ويروِّعون الآمنين، وينشرون الفساد والباطل والضلال، ويخنقون صوت الحق والرشد والعدل، ويقيمون أنفسهم آلهةً في الأرض، تحمي الشر وتحارب الخير، دون أن يجرؤ أحد على مناهضتهم، بل دون أن يجرؤ أحد على كشف الباطل الذي يروِّجون له، وجلاء الحق الذي يطمسونه. ومن هنا يعرِّف الله المؤمنين الحقيقة، حتى لا يرهبوا أولياء الشيطان ولا يخافوهم؛ فهم وهو أضعف من أن يخافهم مؤمن يركن إلى ربه ويستند إلى قوته، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي إذا خوَّفكم الشيطان بهم أو منهم فتوكَّلوا عليَّ والجؤوا إليَّ، فإني كافيكم وناصركم عليهم، يعني أن الإيمان يقتضي أن تؤثِروا خوف الله على خوف الناس. إن القوة الوحيدة التي تُخشَى وتُخاف هي القوة التي تملك النفع والضر.. هي قوة الله، وهي القوة التي يخشاها المؤمنون بالله، وهم حين يخشونها وحدها لا تقف امامهم قوة في الأرض، لا قوة الشيطان ولا قوة أولياء الشيطان. فكم وكم من الناس الذين يلجأون لغير الله ويعتمدون على غير الله ويستجيرون بغير الله ويدعون غير الله من البشر، يدعون الأنبياء والأولياء أمواتاً وأحياءً وهم يقرأون القرآن ويجودونه ويقرؤون في جملته قوله جل وعلا (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ولكن يخِرُّون عليها صماً وعمياناً، هؤلاء يضلهم الله تعالى بضلالهم، هم الذين اختاروا الضلالة والغواية والتكذيب ، ولذلك يقول سبحانة تعـالى) وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
إن مما ينبغي ألا يتجاهله المنصفون: أن المسئول الذي لا يعرف الخوفُ من الله طريقًا إلى قلبه سوف يسرق ويظلم ويفسد ويحتكر وينهب ويدمر البلاد والعباد، وهل منع يوسفَ عليه السلام من الوقوع في الفاحشة إلا خوفُه من الله، فقال لامرأة العزيز: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(يوسف: من الآية23. وكلنا نذكر قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الفتاة التي رفضت أن تطيع أمَّها التي أمرتها بغش اللبن؛ باعتبار أن عمر لا يراهما، فقالت البنت: أي أماه.. فأين الله؟! واللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملأ، وأعصيه في الخلاء. فإذا انعدم الخوف من الله انقلب الإنسان وحشًا كاسرًا، لا يحجزه عن الشر رادع، وصارت القوة والحيلة وبالاً على صاحبها وعلى الدنيا كلها؛ إذ يستخدمها في الظلم والاستيلاء على بلاد وأموال الآخرين، والاعتداء على أعراضهم، وإنكار حقوقهم، والتعالي عليهم. والخوف من الله يقوِّي القلب ويحرِّر النفس من الخوف من الخلق قال المحاسِبِيِّ: "كلما عَظُمَتْ هيبةُ اللَّه عزَّ وجلَّ في صدورِ الأولياء، لم يهابوا معه غيره؛ حياءً منه عزَّ وجلَّ أن يخافوا معَهُ سواه"، وذكر الحكماء أن علامة خوف الإنسان من الله أن يؤمِّنه خوفُه من كلِّ خوف غير خوف ربه تبارك وتعالى.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه. وقوله: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد, فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ, ومُوفِّق للإيمان بالله, وتصديق رسوله, والعمل بطاعته. ------------------------ الهوامش: (2) سقام كغراب: واد بالحجاز ، حمته قريش للعزى ، يضاهئون به حرم الكعبة. ا هـ من معجم ياقوت.
لا يزال الشيطان وأعوانه من المنافقين يخوِّفون المؤمنين من أوليائه أهل الضلال، على كل المستويات محليًّا ودوليًّا، مستغلاًّ كلَّ وسائل الإعلام الحديثة في إشاعة روح الانهزام في الأمة وشبابها.