أيها المسلمون ومن المعلوم أن الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان: ا لنوع الأول: أسباب حسية ، وهو ما يشاهد بالحس، ومنها القوة ، وذلك بالشجاعة القولية والفعلية، وبحصول الغنى والقدرة على الكسب، وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق، ويعلقون به حصول النصر والرزق، حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا بعوائلهم الذين عُدم كسبهم، وفُقدت قوتهم، وفي هذا كله قصر نظر، وضعف إيمان، وقلة ثقة بوعد الله وكفايته، ونظر للأمور على غير حقيقتها. النوع الثاني: أسباب معنوية، وهي قوة التوكل على الله في حصول المطالب الدينية والدنيوية ، وكمال الثقة به، وقوة التوجه إليه والطلب منه ، وهذه الأمور تقوى جدا عند الضعفاء العاجزين ، الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حق العلم، أن كفايتهم ،ورزقهم، ونصرهم من عند الله، وأنهم في غاية العجز، فانكسرت قلوبهم، وتوجهت إلى الله، فأنزل لهم من نصره ورزقه – من دفع المكاره، وجلب المنافع – ما لا يدركه القادرون. ويسر للقادرين بسببهم من الرزق ما لم يكن لهم في حساب؛ فإن الله جعل لكل أحد رزقا مقدرا ، وقد جعل أرزاق هؤلاء العاجزين على يد القادرين، وأعان القادرين على ذلك، وخصوصا من قويت ثقتهم بالله، واطمأنت نفوسهم لثوابه ،فإن الله يفتح لهؤلاء من أسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال، ولا دار لهم في خيال.
والمعنى: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات البدنية والقلبية، حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك، وقد امتثل أمرَ ربه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل دائباً في العبادة بجميع أنواعها حتى أتاه اليقين. كما جمع النبي الكريم بين الأمرين في قوله: « «احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجَز»..... » ( [6]). أَمَّا إِذا لم يتمكَّن المسلم من الجمع بين الأمرين - كأن حبسه المرض في نفسه أو غيره -، فعليه رقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار. والخلاصة أَنَّ قلب العبد وجوارحه في حالة استنفار تام في ذات الله؛ فالجوارح تستفرغ الوسع في الأسباب حتى يحس صاحبها من نفسه أنَّه لا مزيد، والقلب يستجلب رضا الله وعونه وثقته ورجاءه والطمع فيه، فإِنْ حدث وقعدت به الأسباب فليتحرك بقلبه إلى الله، فإِنَّ الله منجز له ما وعد، وليس هذا فحسب، بل ربما تَفَجَّرَتْ ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. حديث: (هل تنصرون وترزقون إِلا بضعفائكم ...) رواية ودراية. وأخيرًا: فلنحرص على رعاية الضعفاء والاهتمام بهم وتأدية حقوقهم، وألَّا نستصغر أو نستقل دعاءهم، فدعاؤهم لا يقل تأثيراً في الأعداء عن تأثير المدافع والدبابات. اللهم أَصْلِحْ لنا شَأْنَنَا كُلَّهُ، ولا تَكِلْنَا إِلى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، ولا إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ.
في المدن التي يسكنها الملايين لم يعد للعشوائية والاجتهادات الفردية والصدف عمل، لكن التنظيم والتقنين والضبط هي ما يعول عليه في إدارة المجتمع، وقد أبطأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في عملها وقصرت في واجبها، وجعلت خدمتها لمن يعرف الطريق إليها ويسألها، وقد ظنت أن كل محتاج سيفعل ذلك ويسرع إليها، ولم تلتفت إلى الذين لا يعرفون الطريق إليها لعجزهم أو ضعفهم أو حتى جهلهم أن هناك جهة مسؤولة عنهم وعن مساعدتهم. آن الأوان أن تقوم هذه الوزارة الموقرة بما أوكل إليها من مسؤوليات عن فئة عزيزة من المجتمع، وأن تبحث هي عن المحتاجين وتصل إليهم وتقدم واجبها نحوهم، وتعلمهم بوجودها من أجلهم، ومرة أخرى إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم.