د. محمد عماره يعطي درساً في الدين والاسلام الي نوال السعداوي لن تنساه ابداً - YouTube
فالكاتبة والمُناضلة نوال السعداوي كانت أوّل من حاربَ عادة ختان الفتيات في مصر، ودَعت في أوّل معركة لها من أجل تحرير النساء إلى منْع هذه العادة المُسيئة للفتيات والنساء، والتي لها أضرار وخيمة عليهنّ صحيّاً سواء فيزيولوجيّاً أم نفسانيّاً. كما أنّها جَعلت من حكاية ختانها أيضاً موضوعاً مُعلَناً عنه لتغدو بذلك قدوة للبوح عن المسكوت عنه ومحاربة التابوهات التي لا تزيد سوى من انتشار الظاهرة وزيادة عدد ضحاياها من الفتيات المصريّات. فهي لم تَترك منبراً أو مناسبة إلّا وحكت قصّة ختانها رغبةً منها في منْح الشجاعة للمصريّات ولكلّ ضحايا ختان الإناث من أجل رفْع الستار عن هذه العادة المُضرّة بالنساء. المُتتبّع للسرد عند نوال السعداوي الروائيّة لا يعرف المَلل، ذلك أنّ حكيها لا ينقطع، بل هو متسلسل وعميق وسلس أيضاً، تأخذك وهي تحكي، وكأنّها شهرزاد بُعثت من أجل إنقاذ النساء السجينات والمُقيَّدات بسلاسل ثقيلة من القهر والظلم والعبوديّة. لا حدود ولا حواجز تقف أمامها، تخترق كلّ المحرّمات اللّسانيّة والفكريّة والنفسانيّة لتأخذ القارئ إلى عالَمٍ أرحب، حيث اللّغة تخدم الحريّة والعدالة الإنسانيّة. روايات السعداوي تتّخذ منحىً يقطع مع فحولة اللّغة، لتتحوّل اللّغة الأنثويّة إنسانيّة وجبّارة لا تعرف الضعف أو التخفّي والتستّر، لغة كاشفة فاضحة بصدقها.
مع نوال السعداوي لا أتوقف كثيرا أمام صحة فكرة أو خطئها، مثاليتها أو واقعيتها. أتوقف، أولا، أمام قدرتها على طرحها، جنوحها، جموحها، طموحها، قوة إلقاء "طوبة" مؤنّثة في وجه زمن ذكوري، معدوم الرحمة والرجولة، وإسالة الدماء منه أيامًا وشهورا وسنين. لم تكن نوال واقعية، ولم تكن المسافة بين مشاعرها وكتاباتها كبيرة، ولم تهتم هي بتبرير أفكارها أو تشفيرها، طرحت ما لديها، كما هو، ودفعت ثمنه، حية.. وميتة. لا أعرف إذا كانت نوال السعداوي مؤمنة أو لا، ولا أعرف أنها تعرف، ولا أعرف أحدا يعرف. هذه التجارب الفكرية المؤلمة أكثر تعقيدا وتركيبا من أن يقف على حقيقتها أحد. وحده، جل شأنه يعلم السر وأخفى، ولذلك فهو وحده "الديّان".. من حسن حظنا.