الكلمة يا عباد الله عنوان المرء، تترجم عن مكنونات قلبه، وتدل على مستوى إيمانه وعقله، فم العاقل ملجَمٌ، إذا همَّ بكلام ريبة أحجم، وفم الجاهل مرسَلٌ، كلما خطر على باله شيء تكلم، وبترك الفضول تكتمل العقول، والعاقل من لزم الصمت إلا عن حق يوضحه، أو باطل يدحضه، أو خير ينشره، أو فضل يشكره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))؛ [متفق عليه].
الغيبة كما ذكرنا محرمة بإجماع علماء المسلمين، بل هي من الكبائر ولا شك، إلا أنه يُستثنَى من ذلك ما ترجحت مصلحته، وهي أحوال مخصوصة حصرها العلماء في ستة أحوال؛ وهي: التظلم عند من يُرجَى نصرته كالقاضي، وعند محاولة تغيير المنكر، وعند سؤال المفتي، وعند تحذير المسلمين من أصحاب البدع والمنكرات؛ فلا حرمة لفاسق، وعند الشهادة والمصاهرة. وليس للغيبة كفارة إلا التوبة النصوح، ولا تصح التوبة منها إلا بأربعة شروط؛ وهي: الإقلاع في الحال، والندم على ما مضى منها، والعزم على ألَّا يعود إليها، وأن يتحلل ممن أساء إليه، خصوصًا إذا كان قد علم بإساءته، فإن لم يستطع، فليكثر له من الدعاء والاستغفار. والواجب على المسلم إذا سمع أحدًا يغتاب غيره أن ينكر عليه وينصحه، ويخبره أن هذا لا يجوز، وأن الغيبة محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ردَّ عن عِرض أخيه بالغيب، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))، فإذا لم يستجب له أو لم يستطع الإنكار، فإنه يجب عليه مغادرة المجلس وهجر المغتاب؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].
2- الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله. 3- نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع. 4- إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات فعلى كل من وقعت منه الغيبة أو البهتان أو النميمة أن يتوب إلى الله منها ، وأن يستغفر فيما بينه وبين الله ، فإن علِم أنه قد بلَغ الكلامُ للمُتكلَّم عليه فليذهب إليه وليتحلل منه ، فإن لم يعلم فلا يُبلغه بل يستغفر له ويدعو له ويثني عليه كما تكلم فيه في غيبته. وكذا لو علم أنه لو أخبره ستزيد العداوة ، فإنه يكتفي بالدعاء والثناء عليه والاستغفار له. وقد روى البخاري في صحيحه: ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ » الدعاء