لا اعتبار بشعارات الحمقى المُبغضين الأوطان، الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أو يغفلون أو يتغافلون عن بعض، فإن قيل لهم إن النبي عليه الصلاة والسلام كان رسولاً نبياً، ولم يكن حاكماً دنيوياً، شنّعوا على القول والقائل، واستعرضوا آيات الحاكمية في سورة المائدة، على ما تحتمله من تأويل ورمزية، تقتضيهما تاريخانية النص. وإن قيل لا بأس بالقول إن النبي عليه السلام ولِي الأمرين معاً، ولذا ليس كُفراً ولا شِركاً أن يكون وريثه حاكمنا اليوم، مع الأخذ في الاعتبار أن الحازم من الخلفاء الأمراء والملوك لم يسمح لكائن من كان بالتطاول على مُلكه، ومن اكتفى من الحُكّام بلباس التقوى تجرأوا عليه، وقتلوه في منزله، وهو يتلو القرآن، ليغدو قميص عثمان -رضي الله عنه- شاهداً على خطورة ضعف الحاكم أو استضعافه. ربما قال قائل ألا يلزم من ذلك إضفاء العصمة على الحُكّام، والجواب أن الأنبياء عليهم السلام غير معصومين في شؤونهم الدنيوية، ومن ذلك ما أجمع عليه العلماء، من عصمتهم عن الكبائر دون الصغائر وهو قول ابن تيمية، فآدم عليه السلام عصى ربه بأكله من الشجرة فغوى، ونوح دعا «ابني من أهلي» فعوتب من الله «ليس من أهلك» وموسى وكز رجلاً فقضى عليه، وداوود استعجل في الحكم دون سماع ردّ الخصم، ونبينا عليه السلام حرّم ما أحل الله له، وعبس في وجه ابن أم مكتوم.
أليس هو الفهم الذي يدفعك إلى الالتزام والعمل وفهم الأمور، وفهم القضايا، وفهم ما تستلزمه مسيرتك العملية على منهج القرآن؟ {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} حقائقه، حقائق.. هذا الذي أريد أن نفهمه أولاً: أن آيات الله تعني حقائق، حقائق واقعية {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. يؤمنون ببعض الكتاب. إساءة إلى القرآن الكريم أن لا نهتدي به، وكفر بنعمة الله العظيمة أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب السخط الإلهي علينا أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب الذلة والخزي أن لا نهتدي به.. لقد قال عن بني إسرائيل عندما حكى عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أن عاقبتهم كما قال تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}(البقرة: من الآية85) {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة114) لماذا؟. هم لم يهتدوا لم يسيروا على هدي بعض آياتٍ أو إصحاحات أو ما ندري كيف عناوينها في كتابهم، لم يسيروا على هديها فاستحقوا أن تكون عاقبتهم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، والمسألة واحدة، من يمتلكون القرآن ولا يهتدون به.
ولما سئل أبو جعفر محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال بقوله " جعلني الله فداك أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكما من حقكم شيئاً ، أو قال ذهبا من حقكم بشيء ؟ فقال: لا ، والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل ، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما ؟ قال: نعم ويحك تولهما في الدنيا والآخرة ، وما أصابك ففي عنقي " شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص 84. قال المجلسي: إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لها: أنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله عليه السلام ، ولم أمنعك من فدك إلا إمتثالاَ بأمر رسول الله ، وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم ، وقد فعلت هذا بإتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا ، وأما المال فإن تريدينه فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك ، ولا يستطيع أحد إنكار فضلك. الملوك والأمراء.. ورثةُ أنبياء - أخبار السعودية | صحيفة عكاظ. حق اليقين ص 201 ، 202. يروي ابن الميثم الشيعي في شرح نهج البلاغة: " إن أبا بكر قال لها: إن لك ما لأبيك ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من فدك قوتكم ، ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله ، ولك على الله أن أصنع بها كما كان يصنع ، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به. "
و لكن غلبية البشر تشك في قدرة الله على: "رزقهم" و "تزويجهم" و هذا الفعل هو تماما ما قال عنه الله "أتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض" … و هذا الفعل هو السبب وراء عذابك الفكري و الشعوري و الحركي. عندما سيتساوى عندك قدرة الله على خلقك و إماتك و إحيائك مع قدرته على رزقك و تزويجك عندها ستكون مِن مَن آمن بكل الكتاب و مِن مَن قالوا: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" فراجع إيمانك بالكتاب حتى تصبح من أولي الألباب و تتذكر كل ما نسيته بخصوص نفسك و بخصوص خالقك. لأن الإيمان بكل الكتاب هو جزء أساسي من نمو الإنسان الطبيعي الذي يجعل حياتك صالحة و غير قابلة للإفساد و الفساد. يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض – الدائرة التربوية لأنصار الله. تريد أن يرزقك الله فآمن بقول الله: "ثم رزقكم" تريد أن يزوجك الله زواجا طيبا صالحا، فآمن بقول الله: "ثم جعلكم أزواجا" ثم رزقكم و جعلكم أزواجا جائت في صيغة الماضي، فالأمر حصل و نزل، كل ما عليك فعله هو أن تؤمن بذلك في حاضرك. الطريق سهل و هو بين يدي قلبك: "ما تؤمن به ستحصده في المستقبل، و هذا قانون ثابت لا يمكن تغييره" إن آمنت بالله و بآياته فقد نجوت، إن آمنت ببعض و كفرت ببعض فقد هلكت و تعذبت.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش وفيهم أبو بكر وعمر، فلما رجعت قلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قلت إنما أعني من الرجال، قال: أبوها " (رواه البخاري ومسلم). وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا في الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله. روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال: اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان. وهو الذي قال فيه امامك المعصوم بزعمك الباطل تبعا لعمائم الشيطان. وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال: جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال: أخبرني عن أبي بكر ؟ قال: عن الصديق تسأل ؟ قال: وتسميه الصديق ؟! قال: ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي. وقال فيه قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال: يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر: يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما.