ثم قال تعالى: ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) أي: قل يا محمد: هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) أي: لا يفهمون ما فيه ، ( وهو عليهم عمى) أي: لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) [ الإسراء: 82]. ( أولئك ينادون من مكان بعيد) قال مجاهد: يعني بعيدا من قلوبهم. قال ابن جرير: معناه: كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول. قلت: وهذا كقوله تعالى: ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) [ البقرة: 171]. وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم. وقال السدي: كان عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال: يا لبيكاه. فقال عمر: لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال: دعاني داع من وراء البحر. ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ۖ أأعجمي وعربي ۗ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ۖ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ۚ أولئك ينادون من مكان بعيد. فقال عمر: أولئك ينادون من مكان بعيد. رواه ابن أبي حاتم.
واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ فقال بعضهم: تمامه: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) وجعل قائلو هذا القول خبر إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ - ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ); وقال بعض نحويي البصرة: يجوز ذلك ويجوز أن بكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها, كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام, وعرف المعنى, نحو قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ. وما أشبه ذلك. قال: وحدثني شيخ من أهل العلم, قال: سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ أين خبره؟ فقال عمرو: معناه في التفسير: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان. الباحث القرآني. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت جواب إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) وإن شئت كان جوابه في قوله: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ, فيكون جوابه معلوما, فترك فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) قال: لو كان هذا القران أعجميا لقالوا: القرآن أعجميّ, ومحمد عربيّ. حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني محمد بن أبي عديّ, عن داود بن أبي هند, عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير في هذه الآية: ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) قال: الرسول عربيّ, واللسان أعجميّ. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة فصلت - قوله تعالى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء - الجزء رقم26. حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: ثنا أبو داود عن سعيد بن جبير في قوله: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) قرآن أعجميّ ولسان عربيّ. حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن محمد بن أبي موسى, عن عبد الله بن مطيع بنحوه. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) فجعل عربيا, أعجميّ الكلام وعربيّ الرجل.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) قال: ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب, يتوبون ويؤمنون, فيقبل منهم, فأبوا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن أجلح, عن الضحاك بن مزاحم ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) قال: ينادَى الرجل بأشنع اسمه. واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ فقال بعضهم: تمامه: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) وجعل قائلو هذا القول خبر إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ - ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ); وقال بعض نحويي البصرة: يجوز ذلك ويجوز أن بكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها, كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام, وعرف المعنى, نحو قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ. وما أشبه ذلك. قال: وحدثني شيخ من أهل العلم, قال: سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ أين خبره؟ فقال عمرو: معناه في التفسير: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان.
حيث شبه حال جدوبة الأرض وخلوها عن النبات، ثم إحياء اللّه تعالى إياها بالمطر، وانقلابها من الجدوبة إلى الخصب، وإنبات كل زوج بهيج، بحال شخص كئيب كاسف البال، رث الهيئة، لا يؤبه، ثم إذا أصابه شيء من متاع الدنيا وزينتها تكلف بأنواع الزينة والزخارف، فيختال في مشيه زهوا، فيهتز بالأعطاف خيلاء وكبرا، فحذف المشبه، واستعمل الخشوع والاهتزاز دلالة على مكانه. الفوائد: - اختيار اللفظ بما يناسب المقام: ورد في هذه الآية قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) وورد في موضع آخر صفة (هامدة) فهاتان الصفتان لم تردا عبثا، ودون تنظيم وتنسيق. فصفة (خاشعة) جاءت لتناسب جو العبادة، لأنها جاءت في سياق يتحدث عن عبادة اللّه عز وجل والسجود له، أما صفة (هامدة) فجاءت في جو يتحدث عن الموت والسكون، ومن هنا كان سر اختيار هاتين الصفتين لتناسبا جو الآيات، وتتناسقا مع الجو العام للمعنى، فما أروع كلام اللّه، وما أدقّ معناه!. إعراب الآية رقم (40): {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}.
[1] وهكذا القرآن فيه شفاء للأمراض البدنية. وقد عدّ العلماء من أنواع هجر القرآن التي تدخل في قوله تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]. عدوا من أنواع هذا الهجر، أن يهجر القرآن فلا يستشفي به. والنوع الثالث من أنواع الشفاء بالقرآن الشفاء من الأمراض النفسية، ومن عين الإنس وعين الجن ومن السحر، ومن جميع تلك الأمراض، التي قد لا تكون من جنس الأمراض البدنية. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرقى بعض أولاد جعفر لما رأى فيهم من أثر العين. (أخرجه الترمذي [2059] وابن ماجه [3510] من حديث أسماء بنت عميس. وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني). وقد أمر عليه الصلاة والسلام بذلك، وقد رقى عليه الصلاة والسلام ورُقي أيضًا. فالقرآن إذًا أيها المؤمنون شفاء، والرقية بالقرآن سنة ماضية فقد رقى جبريل عليه الصلاة والسلام نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام. (أخرجه مسلم [2185، 2186] من حديث عائشة ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما). وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة، والصحابة أيضًا رقى بعضهم بعضًا، وهذا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه » (أخرجه مسلم [2199] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما).
فإن كان أسلوب الخطاب هذا لذلك الطاغية، فكيف بإخوانكم المسلمين - يرحمكم الله؟! أحاديث عن الرفق - موقع معلومات. • رسالة إلى كل مسؤول نقول: إلى كل من وَلِي أمر المسلمين - سواء كانت ولاية عامة أو ولاية خاصة - كن رفيقًا بمَن هم تحت مسؤوليَّتك، كن معينًا لهم على قضاء حوائجهم، وإياك أن تُماطل بهم، أو تسعى للإضرار بهم؛ فإن الله سائلك عن ذلك، فإن أحسنتَ، أحسن الله إليك، وإن أسأْتَ، جازاك الله على إساءتك بما تستحق، وكنت مذمومًا في الدنيا والآخرة. • رسالة إلى كل أب وأمٍ أنعَم الله عليهما بالبنين والبنات، وإلى كل معلمة ومعلم أنعَم الله عليهما بذلك العلم، نقول: رفقًا بالقوارير من بناتكم ومربيات الأجيال، ورفقًا بالبنين من أبنائكم صُنَّاع المجد - بإذن الله - فإنكم برِفقكم وحسن أسلوبكم، تصلون إلى ما لا تستطيعون أن تصلوا إليه بالشدة والعنف؛ فالتربية بالرفق والإحسان أكثر نفعًا وأشد قَبولاً في نفوس هؤلاء الأولاد؛ ليكون ذلك أدعى لقَبولهم ومحبتهم للخير وأهله، فالعنف معهم دون سببٍ بيِّن وكحالةٍ استثنائية، لا يُولد إلا العنف والكراهية والانفعالات. • رسالة إلى كل ابن كريم نقول: رفقًا بوالديك وقولاً ليِّنًا؛ ألم تشعر يومًا ما بقَسوتك في التعامل معهما وهما اللذان سهِرا على تربيتك والإحسان إليك، فإذا كان الرفق مطلوبًا مع الآخرين، فهو مع الوالدين أوجب وأوْلى، بل إن التأفُّف في وجههما إثمٌ وقطيعة وجريمة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فأحسِن صُحبتهما، وارْفُق بهما؛ فإنهما باب من أبواب الجنة.
رسائل: • رسالة إلى دعاة الحق والفضيلة، وإلى كل ناصحٍ مرشد مُشفق، نقول: رفقًا بالمنصوحين وقولاً ليِّنًا، فإن في ذلك مَدعاة لقبول نُصحكم والاهتمام به، فهلاَّ تأمَّلتُم خطاب الله - جل وعلا - لكليمه موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - في قوله تعالى:﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]. أي: اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوَز الحد في كفره وطُغيانه، وظلمه وعُدوانه"، فقولا له قولاً ليِّنًا"؛ أي: سهلاً لطيفًا، برفقٍ ولِين وأدبٍ في اللفظ، من دون فُحش، ولا صَلَفٍ، ولا غِلظة في المقال، أو فَظاظة في الأفعال؛ "لعله" - بسبب القول اللين - "يتذكَّر" ما ينفعه، فيأتيه، "أو يخشى" ما يضره، فيتركه؛ فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ مُنفِّر عن صاحبه، وقد فُسِّر القول اللين في قوله - تعالى-: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18 - 19]. فإن في هذا الكلام من لُطف القول وسهولته، وعدم بشاعته، ما لا يخفى على المتأمِّل؛ فإنه أتى بـ: "هل" الدالة على العرض والمشاورة، والتي لا يَشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهُّر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك، الذي يقبله عاقل سليم، ولم يقل: "أُزكيك"، بل قال: "تزكَّى" أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي ربَّاه، وأنعَم عليه بالنِّعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشُكرها وذكرها، فقال: ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾.
واحدها تلعة - ( ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم) السلسلة الصحيحة / الألباني 942 - ( إن الله -عز وجل- ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق، ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير) صحيح الترغيب / المنذري الألباني2666 قال المناوي: والمراد إذا أراد بأحد خيراً رزقه ما يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك الأمر، وإذا أراد به سوءاً ابتلاه بضد ذلك، والأول علامة حسن الخاتمة والثاني بضده. والخرق الحمق وهو نقيض الرفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين