الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فأما كيفية الثبات على الطاعة، فقد سبق بيانها في الفتويين رقم: 15219 ، 12928. فارجع إليهما. وأما علامات محبة الله لعبده ورضاه عنه فهي كثيرة، وأخصها حب العبد لله تعالى،واتباعه لنبيه، فمن أحب الله بصدق واتبع هدي نبيه عليه الصلاة والسلام أحبه الله. قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {آل عمران:31}. ومنها الاتصاف بالصفات التي ذكرها الله تعالى في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. ومن علاماتها الابتلاء بالمصائب المكفرة، إذا قوبلت بالصبر إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أداء فرائضه، كما أن الإكثار من أداء النوافل يوجب محبة الله للعبد تعالى ويصبح العبد في معية الله في كل أعماله، قال الله تعالى:)إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))النحل ـ 128). * علامات حب الله للعبد: لمحبة الله للعبد علامات يمكن من خلالها معرفة أن كان الله يحبك الله عز وجل: عندما يحب الله سبحانه وتعالي عبده ييسر له فعل الخيرات وأداء الطاعات والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى والبعد عن الذنوب والمعاصي يقول بن القيم: إن الله إذا أحب عبدا أنشأ في قلبه محبته، فالإيمان لا يأتيه الله إلا من أحبه في زمن يكثر فيه الفتن والخداع والغش وهذا الرزق يعتبر من أكبر الدلائل على حب الله عز وجل لشخص يحبه، فالله لا يهدي من لا يحب فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ومن علامات حب الله للعبد أن يهبه الله الأخلاق الحسنة والاتصاف بجميع الصفات الفاضلة والنبيلة وأن يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أخلاقه ومعاملاته، ويجعله الله تبارك وتعالى محبوبا بين الناس، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:(أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) ـ رواه الطبراني.
3/388- وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ بعَثَ رَجُلًا عَلَى سرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرأُ لأَصْحابِهِ في صلاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه ﷺ، فَقَالَ: سَلُوهُ لأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ؟ فَسَأَلوه، فَقَالَ: لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه يُحِبُّهُ متفقٌ عليه. الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذه الآيات والأحاديث في أسباب محبَّة الله للعبد، فالله جلَّ وعلا يُحبّ عبادَه المؤمنين ويرضى عنهم، ويكره الكافرين ويُبغضهم ، ومن علامات محبَّة الرب للعبد: اتِّباع الشَّريعة، فمَن تتبع شريعةَ الله واستقام على دين الله فهذه من علامات أنه مُوَفَّقٌ، وأنه مهدِيٌّ، وأنَّ الله يُحبّه ، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فاتباع الرسول ﷺ والاستقامة على دينه أعظم أسباب محبَّة الله للعبد.
2 ـ الذل للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه. وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). ففي هذه الآية ذكر الله تعالى صفات القوم الذين يحبهم، وكانت أولى هذه الصفات: التواضع وعدم التكبر على المسلمين، وأنهم أعزة على الكافرين: فلا يذل لهم ولا يخضع، وأنهم يجاهدون في سبيل الله: جهاد الشيطان، والكفار، والمنافقين والفساق، وجهاد النفس، وأنهم لا يخافون لومة لائم: فإذا ما قام باتباع أوامر دينه فلا يهمه بعدها من يسخر منه أو يلوم. 3 ـ القيام بالنوافل: قال الله عز وجل في الحديث القدسي:(وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه.. )، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام. * الحبّ والتزاور والتباذل والتناصح في الله: وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه عز وجل قال:(حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ) ـ رواه أحمد.
وراجع في كيفية إرضاء العبد لربه سبحانه، الفتوى رقم: 74127. وأما علامات قبول التوبة فراجع فيها الفتويين: 151355 ، 5646. وأما سهرك إلى الفجر لحضور صلاة الجماعة، خوفا من فواتها، فلا حرج فيه، وإذا كان هذا الخوف عن تجربة وعلم بحالك إذا نمت، فسهرك مطلوب مرغب فيه، ولكن عليك أن تشغل وقت السهر بطاعة الله تعالى لتخرج من كراهية السهر بعد العشاء. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 33682 ، 12156 ، 98803. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 96977 ، 55000 ، 106885. والله أعلم.
وراجع بسط كلامه في كتاب مدارج السالكين عند كلامه على منزلة التوبة. ونلفت نظرك أيها السائل الكريم إلى أنه حتى وإن قبل الله توبتك من ذنب وأنت مقيم على آخر، فإن منزلتك عنده ليست كمنزلة التائب من جميع الذنوب. وتسويف التوبة هو الآخر ذنب يحتاج إلى توبة منه؛ فإن التوبة واجبة من جميع المعاصي بلا استثناء. قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. {النور:31}. وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا. {التحريم:8}. وتذكر قوله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ*أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. {الزمر:54- 58}.
أما التمثيل الثاني: فمثله بالحجر الذي علاه التراب والغبار، ثم أصابه المطر الشديد فأزال ذلك الغبار عنه حتى يصير كأنه ما كان عليه تراب ولا غبار أصلاً وبقي صلداً نقياً فلم ينتفع أي نفع بهذا الوابل. فالجامع بين حال الحجر الذي سقط عليه الوابل والنفقة ابتغاء وجه الله هو عدم الفائدة والانتفاع بما يمكن أن ينتفع به، فصاحب المال ضاع منه ماله من غير فائدة، وهذا الحجر انحدر عنه الماء وهو مظنة النماء والعطاء والخير، ولم يمسك منه شيئاً ولم ينبت عليه نباتاً، لأنه أزال عنه قشرة الخصوبة والنماء. كما أن قلب هذا المنافق كالحجر الصلد القاسي فلا يتشرب خيراً، ولا ينفذ إليه حياة، فقلبه ميت لخلوه من الرحمة والخير والحس الصادق. وهذا التراب هو تلك الغلالة الرقيقة التي توارت حقيقة نفسه خلفها هو رياؤه ونفاقه ووجهه المزيف المخادع الذي سرعان ما تنكشف حقيقته أمام الوابل. والوابل هنا فيه معنى الخير والشر فهو حياة وموت معاً. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى. كما أن الوابل هنا هو تلك الهزات التي تهز النفوس لتكشف صدقها وكذبها. والله أعلم السؤال: ما نوع من في قوله تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم... (البقرة: 265) - الجواب:من ابتدائية، أي أن هؤلاء الذين ينفقون أموالهم طمعاً في رضا الله تعالى يثبتون أنفسهم ويزكونها ويراقبونها وينقونها لئلا يتسرب إليها الرياء والنفاق، فهم يربون أنفسهم على الإيمان واليقين، والتثبيت مبدؤه من أنفسهم.
مثل هذا مثل الحجر الأملس الذي عليه تراب فنزل عليه المطر الغزير وأذهب التراب عنه وتركه أملس ليس عليه شيء. وهذا حال المراؤؤون بأعمالهم يذهب ثواب النفقات، والله لا يهدي القوم الكافرين للحق والهدى في النفقات وغيرها. معاني المفردات رئاء الناس: مراءة لهم وسمعة لا لوجه الله تعالي، بل لينالوا بهذا العمل مدح الناس وثنائهم. صفوان: حجر كبير أملس. وابل: مطر غزير عظيم القطر. صلدًا: أملس نقيًا أجرد من التراب. إعراب الآية لا تبطلوا: لا الناهية جازمة، وتبطلوا فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حرف النون والواو فاعل. صدقاتكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة الظاهرة لأنه جمع مؤنث سالم. ينفق: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ماله: مفعول بع منصوب وعلامة نصبه الفَتْحَة الظاهرة. أصابه: فعل ماض مبني على الفتح. وابل: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. تركه: فعل ماض مبني على الفتح، الهاء مفعول به أول، والفاعل ضمير مستتر. اقرأ أيضًا: معنى آية لا تقنطوا من رحمة الله فضل سورة البقرة سورة البقرة من السور العظيمة التي لها فضل كبير وهي أطول سورة في كتاب الله وبها أعظم آية في كتاب الله تعالى وهي آية الكرسي، وفيما يلي نذكر فضل قراءة سورة البقرة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إِن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة أخرجه مسلم والترمذي، وقال: اقرؤوا سورة البقرة، فإِن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البَطَلَة يعني السَّحَرَة".
فالذي يتصدق ويتبع صدقته بالمن والأذى، إنما يبطل صدقته، وخسارته تكون خسارتين: الخسارة الأولى أنه أنقص ماله بالفعل؛ لأن الله لن يعوض عليه؛ لأنه أتبع الصدقة بما يبطلها من المن والأذى، والخسارة الأخرى هي الحرمان من الثواب؛ فالذي ينفق ليقول الناس عنه إنه ينفق، عليه أن يعرف أن الحق يوضح لنا: أنه يعطي الأجر على قاعدة أن الذي يدفع الأجر هو من عملت له العمل. إن الإنسان على محدودية قدرته يعطي الأجر لمن عمل له عملا، والذي يعمل من أجل أن يقول الناس إنه عمل، فليأخذ أجره من القدرة المحدودة للبشر، ولذلك قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي يفعل الحسنة أو الصدقة ليقال عنه إنه فعل، فإنه يأتي يوم القيامة ولا يجد أجرا له. وقد جاء في الحديث الشريف: «ورجل آتاه الله من أنواع المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من شيء تجب أن أنفق فيه إلا أنفقت فيه لك، قال: كذبت إنما أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار». من حديث فيه قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقد خرجه مسلم. إياك إذن أن تقول: أنا أنفقت ولم يوسع الله رزقي؛ لأن الله قد يبتليك ويمتحنك، فلا تفعل الصدقة من أجل توسيع الرزق، فعطاء الله للمؤمن ليس في الدنيا فقط، ولكن الله قد يريد ألا يعطيك في الفانية وأبقى لك العطاء في الباقية وهي الآخرة.