(2) أن الحمد لا يكون إلَّا لمن له فضائل أ وفواضل اقتضت حمده فلا يحلُّ حمد أو مدح مَن لا فواضل له ولا فضائل، إذ مدح البخيل بالكرم زور، ومدح السخيف بالكمال كذب، ومدح الجبان بالشجاعة باطل، ومدح الظالم بالعدل حرام.
وقال ابن العثيمين: ﴿ الْحَمْدُ ﴾ وصفُ المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم؛ الكمال الذاتي والوصفي والفعلي؛ فهو كامل في ذاته وصفاته وأفعاله؛ ولا بد من قَيْد، وهو " المحبة والتعظيم "؛ قال أهل العلم: "لأن مجرَّد وصفه بالكمال بدون محبة ولا تعظيم، لا يسمَّى حمدًا؛ وإنما يسمى مدحًا" [6]. وقال ابن كثير [7]: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ والرب هو: المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرِّف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله - تعالى. ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب، فلا يقال إلا لله - عز وجل - وقد قيل: إنه الاسم الأعظم، والعالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله - عز وجل، والعالَم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالِم أصناف المخلوقات في السموات والأرض، في البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالمًا أيضًا [8]. تفسير الحمد لله رب العالمين علي كل شيء. [1] الجدول في إعراب القرآن دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (1/ 23) [2] الجامع لأحكام القرآن (1/ 133) الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة. [3] هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني اليمني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، وصاحب كتاب نيل الأوطار، ولد ببلدة شوكان باليمن، ونشأ في صنعاء، وتلقى العلم على شيوخها، وجدَّ في طلبه فأكثر من المطالعة والحفظ والسماع، حتى صار عالمًا كبيرًا يشار إليه بالبنان، توافد عليه الطلاب من كل مكان، اشتغل بالقضاء والإفتاء، وكان داعية إلى الإصلاح والتجديد، ترك التقليد وسلك طريق الاجتهاد بعد أن اجتمعت فيه شرائطه كاملة، ترك مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه، وسلامة منهجه، توفِّي بصنعاء سنة (1250هـ).
القول في تأويل قوله تعالى: [2] الحمد لله رب العالمين " الحمد لله" أي الثناء بالجميل ، والمدح بالكمال ثابت لله دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه. واللام في "الحمد" للاستغراق أي استغراق جميع أجناس الحمد وثبوتها لله تعالى تعظيما وتمجيدا- كما في الحديث: « اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله». تفسير آية: الحمد لله رب العالمين. [ ص: 7] قال الإمام ابن القيم في "طريق الهجرتين": الملك والحمد في حقه تعالى متلازمان. فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده ، فهو محمود في ملكه ، وله الملك والقدرة مع حمده ، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته ، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته ، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره لينبه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده. فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به ، حمد شكر وعبودية ، وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك ، "فتبارك الله" يشمل ذلك كله ، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فالحمد أوسع الصفات وأعم المدائح.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) { الْحَمْدُ لِلَّهِ} [هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه. { رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة. فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. تفسير الحمد لله رب العالمين in english. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. فدل قوله { رَبِّ الْعَالَمِينَ} على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار.