وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم ، عليه من ربه الصلاة والتسليم ، من إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون وملأه. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الحاقة - قوله تعالى سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما - الجزء رقم15. وقوله: ( من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) يعني: أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة ، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين ، كما قال: ( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية) [ الحاقة: 9 ، 10]. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد وعبد الوهاب قالا: حدثنا عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال: ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الأرض ، غير القرية التي مسخوا قردة ، ألم تر أن الله يقول: ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى). ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، بنحوه. وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد موقوفا.
والإنسان تارةً يسمع كلاماً إلاّ أنّه كأن لم يسمعه، وفي التعبير السائد: يسمع باُذن ويخرجه من الاُخرى. وتارةً اُخرى يسمع الكلام ويفكّر فيه ويتأمّله. ويجعل ما فيه خير في قلبه، ويعتبر الإيجابي منه مناراً يسير عليه في طريق حياته... وهذا ما يعبّر عنه بـ (الوعي). تعقيب 1 - فضيلة اُخرى من فضائل الإمام علي (ع) جاء في كثير من الكتب الإسلامية المعروفة - أعمّ من كتب التّفسير والحديث - أنّ رسول الله (ص) قال عند نزول الآية أعلاه (وتعيها اُذن واعية): "سألت ربّي أن يجعلها اُذن علي"، وبعد ذلك كان يقول الإمام علي (ع): "ما سمعت من رسول الله شيئاً قطّ فنسيته، إلاّ وحفظته"(238). إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الحاقة - القول في تأويل قوله تعالى "وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة "- الجزء رقم24. ونقل في (غاية المرام) ستّة عشر حديثاً في هذا المجال عن طريق الشيعة وأهل السنّة، كما ينقل (المحدّث البحراني) أيضاً في تفسير (البرهان) عن (محمّد بن عبّاس) ثلاثين حديثاً في هذا المجال نقلت عن طريق العامّة والخاصّة. وهذه فضيلة عظيمة لقائد الإسلام العظيم الإمام علي (ع) حيث يكون موضع أسرار الرّسول، ووارث علمه (ص)، ولهذا السبب فإنّ الجميع كانوا يرجعون إليه - الموافق له والمخالف - بعد رسول الله (ص) وذلك عندما يواجهون المشاكل الإجتماعية والعلمية المختلفة، ويطلبون منه التدخّل في حلّها، كما تحدّثنا بذلك كتب التواريخ بشكل تفصيلي.
وقوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان. وقيل: إنه زاد فعلا فوق كلّ شيء بقدر خمس عشرة ذراعا. ولقد جاء آل فرعون النذر - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. * ذكر من قال ذلك، ومن قال في قوله: ﴿طَغَى﴾ مثل قولنا: ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ قال: بلغنا أنه طغى فوق كلّ شيء خمس عشرة ذراعا. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾: ذاكم زمن نوح، طغى الماء على كلّ شيء خمس عشرة ذراعا بقدر كل شيء. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير، في قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزَّان، إلا حيث طغى الماء، فإنه قد غضب لغضب الله، فطغى على الخزان، فخرج ما لا يعلمون ما هو. ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ إنما يقول: لما كثر.
وقوله: { فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} يقول جلّ ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم. وقوله: { فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً} يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال: أربيتَ فرَبا رِباك، والفضة والذهب قد رَبَوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { أخْذَةً رَابِيَةً} قال: شديدة. 1 2 3 4
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً. وفرعون: هو الذي قال لقومه- من بين ما قال- أنا ربكم الأعلى... وقد أرسل الله- تعالى- إليه نبيه موسى- عليه السلام- ولكنه أعرض عن دعوته.. وكانت نهايته الغرق. والمراد بمن قبله: الأقوام الذين سبقوه في الكفر، كقوم نوح وإبراهيم- عليهما السلام-. والمراد بالمؤتفكات: قرى قوم لوط- عليه السلام- التي اقتلعها جبريل- عليه السلام- ثم قلبها بأن جعل عاليها سافلها، مأخوذ من ائتفك الشيء إذا انقلب رأسا على عقب. قال- تعالى- جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. والمراد بالمؤتفكات هنا: سكانها وهم قوم لوط الذين أتوا بفاحشة ما سبقهم إليها أحد من العالمين. وخصوا بالذكر، لشهرة جريمتهم وبشاعتها وشناعتها.. ولمرور أهل مكة على قراهم وهم في طريقهم إلى الشام للتجارة، كما قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. أى: وبعد أن أهلكنا أقوام عاد وثمود.. جاء فرعون، وجاء أقوام آخرون قبله، وجاء قوم لوط، وكانوا جميعا كافرين برسلنا، ومعرضين عن دعوة الحق ومرتكبين للفعلات الخاطئة، والفواحش المنكرة.
{ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} * { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} * { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ} * { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} يقول تعالى ذكره: { وَجاءَ فِرْعَوْنُ} مصر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { وَمَنْ قَبْلَهُ} فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ: { وَمَنْ قَبْلَهُ} بفتح القاف وسكون الباء، بمعنى: وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي: «وَمَنْ قِبَلِهِ» بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى: وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله { وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ} يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها { بالخاطِئةِ} يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله { وَالمُؤْتَفِكاتُ} قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ} قرية لوط.
وقيل: إنه زاد فعلا فوق كل شيء بقدر خمس عشرة ذراعا. ذكر من قال ذلك ، ومن قال في قوله: ( طغى) مثل قولنا: حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إنا لما طغى الماء) قال: بلغنا أنه طغى فوق كل شيء خمس عشرة ذراعا. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية): ذاكم زمن نوح ، طغى الماء على كل شيء خمس عشرة ذراعا بقدر كل شيء. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، في قوله: ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزان ، إلا حيث طغى الماء ، فإنه قد غضب لغضب الله ، فطغى على الخزان ، فخرج ما لا يعلمون ما هو. حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) إنما يقول: لما كثر. [ ص: 578] حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( إنا لما طغى الماء): يعني كثر الماء ليالي غرق الله قوم نوح. حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( إنا لما طغى الماء حملناكم) قال محمد بن عمرو في حديثه: طما ، وقال الحارث: ظهر.