قوله تعالى: واستوت على الجودي. أخرج أحمد وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فقال: ما هذا الصوم فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرا لله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فصامه وأمر أصحابه بالصوم. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة هود - الآية 44. وأخرج ابن جرير ، عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة فصام هو وجميع من معه [ ص: 75] وجرت بهم السفينة ستة أشهر فانتهى ذلك إلى المحرم فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله. وأخرج الأصبهاني في «الترغيب» عن أبي هريرة قال: يوم عاشوراء اليوم الذي تاب الله فيه على آدم واليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي واليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل واليوم الذي ولد فيه عيسى صيامه يعدل سنة مبرورة. وأخرج ابن مردويه ، عن عمر بن الخطاب قال: لما استقرت السفينة على الجودي لبث ما شاء الله ثم إنه أذن له فهبط على الجبل فدعا الغراب فقال: ائتني بخبر الأرض فانحدر الغراب وفيها الغرقى من قوم نوح فأبطأ عليه فلعنه ودعا الحمامة فوقفت على كف نوح فقال: اهبطي فائتيني بخبر الأرض فانحدر فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء ينفض ريشه في منقاره فقال: اهبط فقد أنبتت الأرض ، قال نوح: بارك الله فيك وفي بيت يؤويك وحببك إلى الناس لولا أن يغلبك الناس على نفسك لدعوت الله أن يجعل رأسك من ذهب.
انتهى موضع الحاجة من كلامه.
هذا بالإضافة إلى الافتراءات الموجهة إلى داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء، وكذا الحال في نسبة الأخطاء إلى جم غفير من أنبياء بني إسرائيل.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه. وخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد. خرجه البخاري.
وقيل: كان ذلك يوم الجمعة. وروي أن الله تعالى أوحى إلى الجبال أن السفينة ترسى على واحد منها فتطاولت ، وبقي الجودي لم يتطاول تواضعا لله ، فاستوت السفينة عليه: وبقيت عليه أعوادها. وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة. وقال مجاهد: تشامخت الجبال وتطاولت لئلا ينالها الغرق; فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعا ، وتطامن الجودي ، وتواضع لأمر الله تعالى فلم يغرق ، ورست السفينة عليه. وقد قيل: إن الجودي اسم لكل جبل ، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل. ما معنى الجودي في قولة تعالى واستوت على الجودي - كنز المعلومات. سبحانه ثم سبحانا يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد ويقال: إن الجودي من جبال الجنة; فلهذا استوت عليه. ويقال: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجودي بنوح ، وطور سيناء بموسى ، وحراء بمحمد - صلوات الله وسلامه عليهم - أجمعين. [ مسألة]: لما تواضع الجودي وخضع عز ، ولما ارتفع غيره واستعلى ذل ، وهذه سنة الله في خلقه ، يرفع من تخشع ، ويضع من ترفع; ولقد أحسن القائل: وإذا تذللت الرقاب تخشعا منا إليك فعزها في ذلها وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: كانت ناقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء; وكانت لا تسبق; فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ، فاشتد ذلك على المسلمين; وقالوا: سبقت العضباء!
وفي قران الأرض والسماء محسّن الطباق، وفي مقابلة (ابلعي) بـ (أقلعي) محسّن الجناس. و (غيض الماء) مغن عن التعرض إلى كون السماء أقلعت والأرض بلعت، وبني فعل (غيض الماء) للنائب لمثل ما بني فعل (وقيل) باعتبار سبب الغيض، أو لأنه لا فاعل له حقيقة لأن حصوله حصول مسبب عن سبب والغيض: نضوبه في الأرض. والمراد: الماء الذي نشأ بالطوفان زائداً على بحار الأرض وأوديتها. وقضاء الأمر: إتمامه. وبناء الفعل للنائب للعلم بأن فاعله ليس غير الله تعالى. والاستواء: الاستقرار والجودي: اسم جبل بين العراق وأرمينا، يقال له اليوم (أراراط). وحكمة إرسائها على جبل أن جانب الجبل أمكن لاستقرار السفينة عند نزول الراكبين لأنها تخف عندما ينزل معظمهم فإذا مالت استندت إلى جانب الجبل. تفسير: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي). انتهى باختصار منا.. فإن قيل: أشرت من خلال البحث إلى قوله تعالى: (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) غافر 78. من هم أولئك الأنبياء الذين لم يرد ذكرهم في القرآن الكريم؟ أقول: طالما أن الله تعالى لم يذكر قصصهم فلا يمكن الوصول إلى تفاصيل ما جرى لهم، والغريب في هذا الأمر ما ذكره الطبرسي في المجمع منسوباً إلى الإمام علي من أن أحد أولئك الأنبياء كان من أصحاب البشرة السوداء ولذلك لم يتعرض القرآن الكريم إلى ذكره، وأنت خبير من أن هذه الروايات لا يمكن تصديقها أو نسبتها إلى سيد البلغاء والمتكلمين.. كرم الله وجهه.