ملخص المقال هم العدو فاحذرهم مقال بقلم الدكتور راغب السرجاني، يوضح فيه خطر النفاق والمنافقين على البسطاء من أبناء الأمة الإسلامية كما يزداد المعدن نقاءً من شوائبه كلما ازداد انصهارًا بلهب النار.. كذلك يزداد الصف المسلم المواجه لعدوِّه نقاءً من شوائب النفاق كلما اشتد لهيب الأزمات والمحن.. هم العدو فاحذرهم. ولا تتوقف التنقية حينئذٍ عند حدِّ انكشاف الهلع وضعف اليقين في نفوس المنافقين.. بل يزداد التمايز وضوحًا عندما يُسارع المنافقون المذعورون – لا إلى الانزواء فقط – بل إلى الارتماء المشين في أحضان العدو صراحة!!.. وتبنِّي مواقفهم، والشفقة على خسائرهم.. فضلاً عن القيام بدور المتحدِّث باسمهم والناصح الأمين لهم...!!
المنافقون قديما وحديثا: ولكن هناك فئة أخرى تحمل الحقد والغل نفسه أو أشد، وقلوبهم أشد بغضا للإسلام وأهله، ولكنهم يعيشون بين المسلمين، وينتسبون لدينهم في الظاهر وحقيقتهم كما قال الله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نشهد إنك لرسول اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يعلم إنك لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}(المنافقون:1).
قائدهم الدجال الأعور«يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ» أخرجه مسلم.. اليهود في الأرض شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائضون، فكونوا من مكرهم حاذرون، لعنوا في التوراة والإنجيل والقرآن (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) فلا هوادة عندهم في قتل النساء والصبيان {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} فأي خير يرجى منهم، وأي سلام يطمع معهم ، وهم من تطاولوا على الله جلّ جلاله ، وامتدت أيديهم إلى أنبياء الله ورسله. الغدر من شيمهم ، والخيانة من أخلاقهم.. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ - ملتقى الخطباء. عاهدهم خير هذه الأمة ، وصالحهم عليه الصلاة والسلام ، فدعوه للمفاوضه ، فلما جاءهم تآمروا على قتله وإلقاء الحجر عليه ، فأجلاهم وخرب بيوتهم.. ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفـــــسٌ ** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ ** شَربَةً للظامىء المُحتضِرِ يا قوم، هل ترجون من قاتلِ ** الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟!
الإسلام يعني الاستسلام لله ولرسوله والانقياد لهما، ومن ظن أنّ الاسلام صلاة وصيامًا وأداء بعض المناسك والعبادات ولا دخل للإسلام في الحياة العامة، وتنظيم شؤون المجتمع ومن باب أولى لا دخل للإسلام في السياسة والحكم!!.. من ظن هذا الظن فهو لم يفهم معنى الإسلام أصلاً!! المنافقون كانوا ومازالوا يستغلون أخطاء بعض المسلمين لينسبوها إلى الشريعة وإلى الدين!!.. أسلوب واضح ومكشوف ولا يخدعون به إلاّ أنفسهم، فالمسلمون بشر يصيبون ويخطئون، أمّا الشريعة فهي دين الله الحكيم الذي لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا تجوز الزيادة فيه ولا النقصان منه، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [سورة المائدة: من الآية 3]. استخدم "المنافقون" أسلوب الاستهزاء والسخرية على حملة هذا الدين والمتمسكين به، فإذا رأوا أحد المحسنين تبرع بشيء قليل فهو لا يملك المال الكثير، قالوا له إنّ الله غني عن صدقتك!! وإذا تبرع غني بمال كثير قالوا له أنت تريد بصدقتك شيئًا آخر!!.. قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة التوبة: 79] بل أحيانا كانوا يستخدمون الكذب لصد النّاس عن الدخول إلى هذا الدين، وما يقصة (الإفك) التي أطلقوها على الطاهرة الزكية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إلاّ أحد الأساليب الخبيثة للطعن في شريعة رب العالمين عبر الطعن في رسولها الأمين، ولكن كالعادة يرد الله كيد المنافقين في نحورهم.
- ومن مواقفه المخزية هروبه يوم غزوة أحد ورجوعه بثلث الجيش، ومنها الوقوف مع يهود بني قينقاع والدفاع عنهم بعد نقضهم العهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وموالاته للكفار وقوله: "إني امرؤ أخشي الدوائر". - وهو الذي تولى كبر حادثة الإفك يتهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في شرفه وزوجته، ويطعن في عائشة ليسقط قامات الإسلام السامقة، وقد فضحه الله. ولشدة خطر هؤلاء فقد أنزل الله فيهم آيات كثيرة كأنها تتنزل اليوم، وإنما نبه عليهم أكثر من غيرهم من الأعداء لأنهم يستعملون وسائل شرعية لهدم الأصول، ويخفون علي العامة، فأعين البسطاء علي الوسائل وأعينهم هم علي الأهداف. وعموما فإن المنافقين في عهد رسول الله قد فضحهم الله وأخزاهم.. وأما منافقوا زماننا فهم أبناء المنافقين الأول، صح فيهم قول القائل "ومن شابه أباه فما ظلم".. وهذا الوصف أثقل شيء عليهم اليوم وهو ربطهم بأسلافهم، كما كان أثقل شيء علي أسلافهم ربط القرآن بأفعالهم، فأفعال الأجداد هي أفعال الأحفاد.. ولحن القول القديم ملازم لمنافقي العصر الحديث، وصفات الأولين هي صفات الآخرين، وما زال الآخر ينسج علي منوال الأول. وقانون الكل "عداوته ما حييت". فالمنافقون، في كل زمانٍ ومكانٍ متشابهون، يُظهرون خلاف ما يُبطنون، يدَّعون حبهم لدين الإسلام وهُم لشريعته مبغِضون، وللانقياد لها رافضون، بل هُم للإسلام وأهله في الليل والنهار يكيدون، وقد نسوا أنَّ الله مُخرجٌ ما يكتمون.