وبعد، فمجال القول واسع وميدانه رحب، ولا سيما إذا كان عن قامة قانونية وعلمية شامخة كالشيخ صالح الحصين أجزل الله مثوبته وجمعنا به في جنات النعيم، ولعل الأيام المقبلة تخبئ في طياتها بشرى لنا بسيرة جامعة لكل ما يتصل به، مما ستقرأه الأجيال وتستفيد منه وتترسمه في حياتها.
يقول الشيخ: "إن لدى رجل الإدارة في وطننا الحبيب غراما غير عادي بسن الأنظمة" ولا أدري عن هذا الغرام يا شيخ! أين هي هذه الأنظمة التي تتحدث عنها؟ ونحن نشتكي من شحّ الأنظمة واللوائح! بل هناك أجهزة كاملة تعمل بلا لوائح أصلا! أسَّس الشيخ أن التنظيم والتقنين يؤدي للفساد الإداري! صالح الحصيّن | سبيلنداب لانشاء التطبيقات خلال 48 ساعة. وبهذا الرأي يخالف أهم منتج من منتجات البشرية في حضارتها الحديثة وهو الذي أجمعت على أهميته وجوهريته في النهضة وتأسيس دولة العدل والصلاح كلُّ الحضارات المعاصرة، ذلك هو التقنين وتطور آلياته التي أدت لهذه الحضارة التي لم يسبق لها مثيل! هل المقصود جودة القانون؟ تحدث بعد ذلك الشيخ عن ضرورة كون القواعد المنظّمة حكيمة، فهل المشكلة يا شيخ في مدى عدالة النظام وجودته؟ إذا كان كذلك فكلنا معك في أن النظام يجب أن يكون عادلا حكيما وإلا سيصبح تشريعا للظلم والفساد، ولكن من سياق الكلام أرى هناك تعارضا بين هذه المقدمة وتفاصيل المقال. أثنى الشيخ على القواعد الحكيمة والعادلة في الغرب، ولكن من أهم ما تميز به الغرب التقنين ووضوحه وتطوره، وقد عشت فترة في الغرب ولا تكاد تدخل مكانا إلا وتجد عشرات القوانين والتنظيمات، فقائد الدراجة له قواعد يجب أن يلتزم بها، وكذا المشاة عليهم واجبات مرور؛ وإلا فإنهم قد يتعرضون للمخالفة كقائد السيارة وهكذا، فلم يتفوقوا علينا إلا بوضع القوانين التي تنظم كل شيء، ولم يتركوا الأمر فوضى بلا قانون.
وأغرب ما سمعته عنه حدثني به أحد أكابر العمل الخيري في بلادنا، حيث اعتقل أحد العاملين بالعمل الخيري في الخارج-المغلق حاليا- وكان هذا المعتقل مرتبط بالشيخ الحصين ارتباطاً وثيقا، فذهب بعض زملائه للشيخ الحصين طالبين شفاعته، فأخرج لهم الشيخ كتاباً مرسلاً منه لوزير الداخلية آنذاك يقول فيه ما ملخصه: ما تنقمون من فلان الذي اعتقلتموه؟ إن كان أخطأ فأنا أحق بالسجن منه لأنه كان يأتمر بقولي وكنت (المحرض) له، فأطلقوا سراحه واسجنوني مكانه! ووقَّع الكتاب باسم شريك فلان (أي المعتقل) في العمل الخيري!