وهو قول مالك وجماعة من السَّلف والخلف، منهم عمر، وحذيفة، وابن عباس، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران، قال ابنُ جرير: وهو قول جماعةٍ عامّة من أهل العلم. الشيخ: هذا هو الصّواب، الصواب أنَّه يجوز إعطاؤها صنفًا من هذه الأصناف، ولا يجب أن تُعمم الأصناف الثَّمانية، بل إذا دفعها للفُقراء، أو للغارمين، أو لأبناء السَّبيل، أو في عتق الرِّقاب أجزأت..... ؛ ولهذا جاء في الحديث الصَّحيح: أنه ﷺ أعطى بعض الصحابة الفُقراء..... وعلى هذا، فإنما ذكرت الأصناف هاهنا لبيان المصرف، لا لوجوب استيعاب الإعطاء. ولوجوه الحجاج والمآخذ مكانٌ غير هذا -والله أعلم-، وإنما قُدّم الفُقراء هاهنا على البقية لأنَّهم أحوج من غيرهم على المشهور؛ ولشدّة فاقتهم وحاجتهم. وعند أبي حنيفة: أنَّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير، وهو كما قال أحمد. وقال ابنُ جرير: حدثني يعقوب: حدثنا ابن عُلية: أنبأنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر : الفقير ليس بالذي لا مالَ له، ولكن الفقير: الأخلق الكسب. إنما الصدقات للفقراء والمساكين | موقع البطاقة الدعوي. قال ابنُ علية: الأخلق: المحارف عندنا، والجمهور على خلافه. ورُوي عن ابن عباسٍ، ومجاهد، والحسن البصري، وابن زيد. الشيخ: ويُسمّى المسكين: فقيرًا، ما هو بشرط أنَّ الفقير الذي ما عنده شيء بالكلية، ولو عنده بعض الشيء، ما عنده كفاية يُسمّى: فقيرًا، ويُسمّى: مسكينًا، لكن المشهور أنَّ المعدم بالمرة يُسمّى: فقيرًا، وإن كان عنده بعض الشيء يُسمّى: مسكينًا، والأمر في هذا واسع؛ ولهذا لما بعث النبيُّ ﷺ معاذًا إلى اليمن قال: تُؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ في فُقرائهم ، يشمل المسكين والفقير، فالفقير يُطلق على مَن عنده بعض الشيء، أو ليس عنده شيء، نعم.
واختار ابنُ جرير وغير واحدٍ أنَّ الفقير: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئًا، والمسكين: هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس. وقال قتادة: الفقير: مَن به زمانة، والمسكين: الصحيح الجسم. وقال الثوري: عن منصور، عن إبراهيم: هم فُقراء المهاجرين. قال سفيان الثوري: يعني: ولا يُعطى الأعراب منها شيئًا. وكذا رُوي عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى. إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين. وقال عكرمة: لا تقولوا لفقراء المسلمين: مساكين؛ إنما المساكين أهل الكتاب. ولنذكر أحاديث تتعلق بكلٍّ من الأصناف الثَّمانية: فأمَّا الفُقراء: فعن ابن عمر قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرةٍ سوي. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ولأحمد أيضًا والنَّسائي وابن ماجه عن أبي هريرة مثله. وعن عبيدالله بن عدي بن الخيار: أنَّ رجلين أخبراه أنَّهما أتيا النبي ﷺ يسألانه من الصّدقة، فقلّب فيهما البصر، فرآهما جلدين، فقال: إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مُكْتَسِبٍ. رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي بإسنادٍ جيدٍ قويّ. الشيخ: وهذا يُبين أنَّ صاحب الزكاة إذا اشتبه الأمرُ يُبين لهم، يقول لهم: تراها ما تحلّ إلا لفقيرٍ، أو لذي قوةٍ عادم، ما يجد شيئًا، أمَّا الذي أعطاه اللهُ القوةَ والكسبَ فلا يُعطى من الزكاة؛ ولهذا قال: لا تحلّ لغنيٍّ، ولا لذي مرةٍ سوي ، لما رآهما جلدين أخبر أنَّها لا تحلّ لغنيٍّ، ولا لقوي مُكتسبٍ.
نص القرآن الكريم على أن مصارف الزكاة ثمانية، وأول مصرفين نص عليهما هما: مصرف الفقراء والمساكين، كما قال سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ). على أنه تبقى إشكالات في تحديد مدلول الفقراء والمساكين، وكذلك ضابط الفقر والمسكنة مع اختلاف الأزمان وحاجات الناس، مع تغير طبيعة الحياة الاجتماعية وما يعيشه الناس اليوم من أحوال اختلفت – ربما- اختلافا جذريا عن واقع المسلمين في العصر الأول. من هم الفقراء والمساكين؟ اختلف الفقهاء في تحديد معنى الفقراء والمساكين وأيهما أشد حاجة على مذهبين: المذهب الأول: أن الفقراء أشد حاجة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، مستندين في ذلك بما يلي: 1- الفقير من أصيب فقاره، أي عموده الفقري، بحيث لم يعد قادرا على الحركة ولا الكسب من باب أولى، فالفقير لغة: فعيل بمعنى مفعول ، وهو من نزعت بعض فقار صلبه ، فانقطع ظهره 2- أن القرآن نص على أن المساكين لهم كسب وقدرة على السعي، كما قال تعالى: ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)، والمسكين مفعيل من السكون ، ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن.
إعراب الآية رقم (62): {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}. الإعراب: (يحلفون باللّه) مرّ إعرابها، اللام حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يحلفون)، اللام للتعليل (يرضوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام... والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به. والمصدر المؤوّل (أن يرضوكم) في محلّ جرّ متعلّق ب (يحلفون). الواو حاليّة (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع الواو عاطفة (رسول) معطوف على لفظ الجلالة مرفوع الهاء مضاف إليه (أحقّ) خبر المبتدأ مرفوع (أن) حرف مصدريّ ونصب (يرضوا) مثل الأول والهاء مفعول به. والمصدر المؤوّل (أن يرضوه) في محلّ رفع بدل من اسم الجلالة أو من رسول. (إن) حرف شرط جازم (كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ... والواو ضمير اسم كان، والفعل في محلّ جزم فعل الشرط (مؤمنين) خبر منصوب وعلامة النصب الياء. جملة: (يحلفون... وجملة: (يرضوكم... ) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر. انما الصدقات للفقراء - الطير الأبابيل. وجملة: (اللّه ورسوله أحقّ... ) في محلّ نصب حال من فاعل يحلفون. وجملة: (يرضوه) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي (أن) الظاهر.
جملة: (منهم الذين... وجملة: (يؤذون.. ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (يقولون... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة. وجملة: (هو أذن.. ) في محلّ نصب مقول القول. وجملة: (قل... وجملة: (هو) أذن خير) في محلّ نصب مقول القول. وجملة: (يؤمن باللّه) في محلّ رفع خبر ثان للمبتدأ المحذوف. وجملة: (يؤمن للمؤمنين) في محلّ رفع معطوفة على جملة يؤمن باللّه. وجملة: (آمنوا... ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني. وجملة: (الذين يؤذون... ) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: (يؤذون رسول... ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثالث. وجملة: (لهم عذاب... ) في محلّ رفع خبر المبتدأ {الذين}. الصرف: (أذن)، اسم للعضو المعروف، واستعمل في الآية الكريمة مجازا أي مستمع، وزنه فعل بضمّتين. البلاغة: المجاز المرسل: في قوله تعالى: (هُوَ أُذُنٌ) وهي في الأصل اسم للجارحة، وإطلاقها على الشخص بالمعنى المذكور من باب المجاز المرسل، كاطلاق العين على ربيئة القوم حيث كانت العين هي المقصودة منه، وذلك من اطلاق الجزء على الكل، والعلاقة تسمى الجزئية، قال الشاعر: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين ** وإن هي ناجتني فكلي مسامع.
المراجع: 1 2