وحجبت الجنة بالمكاره، وفي رواية: وحفت الجنة بالمكاره، فهذا كله يدل على أن من أراد أن يدخل الجنة فعليه أن يتخطى هذا الذي حفت به. ومن سلك طريق الشهوات فهذا طريق يوصل إلى النار، ومن سلك طريق الصبر فإن ذلك يوصله إلى الجنة، وكنت ذكرت لكم بعض الأمثال التي ذكرها بعض أهل العلم تبين هذا المعنى في بعض المناسبات، ومن ذلك: أن مثل الإنسان في هذه الحياة مثل الرجل يطارده سبع، فتعلق في غصن شجرة، فنظر تحته فوجد حفرة فيها تنين فاغر فاه، ونظر إلى أصل الغصن وإذا بفأرين أسود وأبيض يقرضانه طول الوقت، ونظر فإذا بعسل خلية بجانبه، فذاقه، فوجده حلو الطعم، فنسي الحفرة، ونسي الغصن الذي سينكسر بعد قليل، والفأرين الأسود والأبيض اللذيْن يقرضانه بلا توقف، فجلس يلعق من هذا العسل، ساهٍ ولاهٍ عما ينتظره. فالفأران هما الليل والنهار، يقرضان الأعمال قرضاً، قبل لحظةٍ أعمارُنا أطول، واليوم أطول من أمس، وهكذا، والحفرة القبر، والسبع الذي يطارده هذا هو الموت والأجل، وخلية النحل لذات الدنيا، وشهواتها، ينغمس فيها كثير من الناس، ونسوا ما ينتظرهم. 41 من حديث: (حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره..). فنسأل الله أن يشرح صدورنا لطاعته، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ومنكم أجمعين، ويغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.
تاريخ النشر: ٠٨ / رمضان / ١٤٢٦ مرات الإستماع: 21338 حُجبت النار بالشهوات الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا هو الحديث السابع في باب المجاهدة، وهو: حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره [1]. فقوله ﷺ: حجبت النار بالشهوات ، الحجاب معروف، فكأن النار قد وُضع دونها ستر، وحائل، وحجاب، لا يُتوصل إليها إلا بهتكه، فمن تخطاه يكون قد وصل إليها ودخل فيها، وكذلك الجنة لا يُتوصل إليها إلا بهتك ذلك الحجاب الذي حجبت به. وفي رواية عند مسلم بلفظ: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات [2] ، وهو قريب من معنى الأول، فحجبت كأنه وُضع ذلك حاجباً، وحائلاً، وستراً على الجنة، من تخطاه وصل إليها. شرح حديث: (حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره). وحفت أي: أن ذلك أيضاً من جميع النواحي لا يُتوصل إلى الجنة إلا بتخطي هذه المكاره، والمرور بهذا الذي يحتف بها من الأمور التي يحصل بها إيلام للنفس، ومشقة أيًّا كانت هذه المشقات، فلو نظر الإنسان في التكاليف التعبدية، الصيام مثلاً فيه فطام للنفس عن الشهوات، والمألوف، وما يعتاده الإنسان من الطعام والشراب، وما إلى ذلك، فهذا من المكاره، لا يتوصل إلى الجنة إلا بخطم النفس وزمها عن هذا الذي تشتهيه.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لما عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ، فقُلْتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لُحُومَ الناسِ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ » [10]. وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَ ا » [11]. ويعم ذلك قول الباري سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].
7/101- الحديث السابع: عَنْ أبي هريرة أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: حُجِبتِ النَّارُ بِالشَّهَواتِ، وحُجِبتْ الْجَنَّةُ بَالمكَارِهِ متفقٌ عَلَيهِ.