والشورى سنةُ ولاةِ الأمرِ مِن الخلفاء والأمراءِ، بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكانوا يخصّون بالمشورة الأمناءَ مِن أهلِ العلمِ والدينِ. قال البخاريّ في الصحيح: وكان الأئمةُ بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم يستشيرونَ الأمناءَ مِن أهلِ العلم، وكان القراءُ أصحاب مشورةِ عمر؛ كهولًا أو شبانًا، وكان وَقّافًا عند كتابِ الله. وجعلها ابن عطية مِن قواعدِ الشريعةِ، وعزائم الأحكام، ومَن لا يستشيرُ أهلَ العلمِ والدينِ فعزلُه واجبٌ، قال وهذا ممّا لا اختلافَ فيه، وتوجيه كلامِه أن الوصولَ إلى الصوابِ في مصالحِ الأمة واجبٌ، وما لا يتمُّ الواجب إلّا بهِ فهو واجب. تفسير: {وأمرهم شورى بينهم} - صالح بن فوزان الفوزان - طريق الإسلام. والمشورةُ وإن كانت تتنوعُ بتنوعِ التخصُّصات؛ فإنه يجبُ في جميعِ الأحوالِ ألّا يُستشارَ إلّا النُّصحاءُ الأُمناءُ، مِن أهلِ الأمانةِ والديانةِ، كلٌّ فيما يعلمه ويُتقنُه؛ لقول الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أهلَ الذّكرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعلمُونَ)[النحل:43]. فالعلماءُ يشَاوَرون في أمرِ الدينِ، ووجوهُ الجيشِ في أمرِ الأمنِ والحرب، وأهلُ الاقتصادِ والسياسة في شؤون المالِ والسياسة، وهكذا. ويجبُ على ولاةِ الأمرِ أن يتفقَّدوا أهلَ مشورتِهم، من وقتٍ لآخر، يتفقّدونَ نصحَهُم وأمانتَهم وصدقَهم؛ لإبعادِ مَن يشتبهونَ في أمرِهِ، أو تَتغيَّرُ حالُه؛ لأنّ فسادَ الحاكمِ شرٌّ، ولا يُؤتَى الحاكم إلّا مِن بطانتِه ونصحائِه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)[آل عمران:118].
وأبى هذا الرأي من ذكرنا ، وشجعوا الناس ودعوا إلى الحرب. فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ، ودخل إثر صلاته بيته ولبس سلاحه ، فندم أولئك القوم وقالوا: أكرهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; فلما خرج عليهم في سلاحه قالوا: يا رسول الله ، أقم إن شئت فإنا لا نريد أن نكرهك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينبغي لنبي إذا لبس سلاحه أن يضعها حتى يقاتل. الثامنة: قوله تعالى: فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين التوكل: الاعتماد على الله مع إظهار العجز ، والاسم التكلان. يقال منه: اتكلت عليه في أمري ، وأصله: " اوتكلت " قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ثم أبدلت منها التاء وأدغمت في تاء الافتعال. ويقال: وكلته بأمري توكيلا ، والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها. واختلف العلماء في التوكل; فقالت طائفة من المتصوفة: لا يستحقه إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله من سبع أو غيره ، وحتى يترك السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى. وقال عامة الفقهاء: ما تقدم ذكره عند قوله تعالى: وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وهو الصحيح كما بيناه. وقد خاف موسى وهارون بإخبار الله تعالى عنهما في قوله لا تخافا. وشاورهم في الأمر - موضوع. وقال: فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف وأخبر عن إبراهيم بقوله: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف.
فالمؤمنُ مكلفٌ يبذلُ جهده وألا يفرطُ، فإذا عجز ولم يوفّق؛ استسلمُ لحكمِ اللهِ، ورضي بقضائِه، فيؤجَرُ مرّتينِ؛ مرةً لسعيهِ، ومرةً لرضاه وإيمانِه، كما أن المومن مكلف ألَّا يحزنَ على ما فاتَه، ولَا يفتحَ على نفسهِ عملَ (لو)، فيقول: لو عمِلت كذَا لكانَ كذا؛ فإنّ لو تفتَحُ عملَ الشيطانِ، كما قال صلى الله عليه وسلم [مسلم:2667]. والإيمانُ بالقدر والرضى به بعد وقوعه؛ هو القدْر الوارد فيما يجبُ الإيمان به، ومِن فوائِده أنهُ يُدخلُ على النفسِ راحةً وطمأنينةً، وينتشلُها مِن غمِّ الفَوتِ، وكمدِ الحزنِ، وحسرةِ الندمِ. وشاورهم في الامر تفسير. الفريق الآخر ممّن حرّفوا التوكلَ؛ باسم الزهد والتصوف ، فهؤلَاء حرّفوا معنى التوكّلِ، فحوّلوهُ إلى بطالةٍ،، فأفسَدوا الدينَ بهذا الفهم السقيم، وعاشُوا على كدِّ الآخرينَ، وتسلطُوا على أموالِهم وجيوبهم، فمن يُنفقون عليهم ويأكلون أموالهم هُم خيرٌ منهم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الصادق بن عبد الرحمن الغرياني الأحد 20 ذو الحجة 1436 هـ الموافق 4 أكتوبر 2015م
فإذا كان الخليل وموسى الكليم قد خافا - وحسبك بهما - فغيرهما أولى. وسيأتي بيان هذا المعنى.
[2] تطبيق الرسول عليه السلام لمبدأ الشورى كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً حسنةً في تطبيق مبدأ الشورى في حياته، فقد استشار أصحابه يوم بدر في الخروج لاعتراض عير قريش، فسمع من أصحابه كلاماً أسرّ قلبه، كما استمع إلى مشورة الحُباب بن المنذر حينما أشار عليه بأن ينزلَ إلى أدنى ماء من القوم، ثمّ يغوِّر ما وراءه من القُلُب، ثمّ يبني عليه حوضاً فيملؤه ماءً، فيشرب ويشربون، ثمّ يمضي إلى قتال القوم، كما شاور كذلك أصحابه بعد المعركة في الأسرى الذين بين أيديهم، فمال إلى رأي أبي بكر في أخذ الفداء. [3] أهمية الشورى في الإسلام تتجلى أهمية الشورى في أنّها من مبادئ الإسلام الأساسية، ونقل القرطبي عن ابن عطية اعتبارَه الشورى من القواعد التي تقوم عليها الشريعة ، وهي عزيمة من عزائم الأحكام، ونقل عنه كذلك اعتقاده وجوبَ عزل الحاكم الذي لا يستشير أهل العلم والدين، وتحدث ابن خويز منداد عن المواضع التي يستشير فيها الحاكم أهل العلم والدين، حيث يستشير العلماء في أمور الدين التي تشكل عليه، ويستشير وجوه الناس فيما يتعلق بمصالحهم، ويستشير وجوه الجيش فيما يتعلق بأمور الحرب، ويستشير العمال والوزراء وغيرهم فيما يتعلق بمصالح البلاد وشؤونها المختلفة.