{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1) { عبس وتولى} { عبس} النبي: كلح وجهه { وتولى} أعرضَ لأجل:
وقيل: إنما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف الرجل ، ثقة بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان; كما قال: " إني لأصل الرجل وغيره أحب إلي منه ، مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه ". الخامسة: قال ابن زيد: إنما عبس النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن أم مكتوم وأعرض عنه; لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه ، فدفعه ابن أم مكتوم ، وأبى إلا أن يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يعلمه ، فكان في هذا نوع جفاء منه. ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: عبس وتولى بلفظ الإخبار عن الغائب ، تعظيما له ولم يقل: عبست وتوليت.
السادسة: نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي وكذلك قوله في سورة الكهف: ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا وما كان مثله ، والله أعلم. عبس وتولى تفسير. أو يذكر يتعظ بما تقول فتنفعه الذكرى أي العظة. وقراءة العامة ( فتنفعه) بضم العين ، عطفا على يزكى. وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وعيسى فتنفعه نصبا. وهي قراءة السلمي وزر بن حبيش ، على جواب لعل; لأنه غير موجب; كقوله تعالى: لعلي أبلغ الأسباب ثم قال: فأطلع.
{ يَفِرُّ الْمَرْءُ} من أعز الناس إليه، وأشفقهم لديه، { مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ} أي: زوجته { وَبَنِيهِ} وذلك لأنه { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي: قد شغلته نفسه، واهتم لفكاكها، ولم يكن له التفات إلى غيرها، فحينئذ ينقسم الخلق إلى فريقين: سعداء وأشقياء، فأما السعداء، فـوجوههم [يومئذ] { مُسْفِرَةٌ} أي: قد ظهر فيها السرور والبهجة، من ما عرفوا من نجاتهم، وفوزهم بالنعيم، { ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ} الأشقياء { يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا} أي: تغشاها { قَتَرَةٌ} فهي سوداء مظلمة مدلهمة، قد أيست من كل خير، وعرفت شقاءها وهلاكها. { أُولَئِكَ} الذين بهذا الوصف { هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي: الذين كفروا بنعمة الله وكذبوا بآيات الله، وتجرأوا على محارمه. نسأل الله العفو والعافية إنه جواد كريم [والحمد لله رب العالمين].
قوله: (( إنه لا يذل من واليت)): هذا كالتعليل لما سبق في قوله: (( وتولني فيمن توليت))، يذلّ: بفتح فكسر، وكذا يعزّ( [14]) أي: لا يصير ذليلاً حقيقة من واليته، فإن اللَّه سبحانه وتعالى إذا تولّى العبد، فلا يذلّ، ولا يلحقه هوان في الدنيا، ولا في الآخرة. قوله: (( لا يعز من عاديت)) يعني: إذا عادى اللَّه تبارك وتعالى العبد، فإنه لا يعزّ، ولو اجتمع أهل الأرض والسموات معه، بل حاله الذل والخسران، فمن أراد العز فليطلبه من اللَّه عز وجل، ومن أراد أن يتّقي الذلّ فليكن مع اللَّه جل وعلا، قال اللَّه جلَّ ثناؤه:" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا" ( [15])، ودلّ قوله: ( عاديت) على صفة العداوة الفعلية للَّه تعالى، تقتضي العقاب، والعذاب، والذلّ، والخسران. قوله: (( تباركت ربنا وتعاليت)): قوله: تباركت أي: تعاظمت يا اللَّه، فلك العظمة الكاملة من كل الوجوه والاعتبارات، ومن ذلك كثرة بركاتك، وعمّت خيراتك التي يتقلّب بها أهل السموات والأرض( [16]). دعاء اليوم الخامس من رمضان: «اللهم اجعلني فيه من عبادك الصالحين» - قناة صدى البلد. قوله: (( وتعاليت)): أي أن لك العلو المطلق من كل الوجوه من الكمال: علوّ الذات، وعلوّ الغلبة والقهر، وعلوّ النزاهة عن كل العيوب والنقائص والآفات.
( [11]) تيسير الكريم المنان، 374. ( [12]) سورة الرعد، الآية: 41. ( [13]) النفي في صفات الله U ، 356-756 بتصرف يسير جداً. ( [14]) الفتوحات الربانية، 1/545. ( [15]) سورة فاطر، الآية: 10. ( [16]) المصدر السابق، 1/546. ( [17]) انظر: التفسير الكبير لشيخ الإسلام ابن تيمية، 6/135، شرح النونيه للهراس، 2/213، تفسير السعدي، 5/487، الحق الواضح، ص 25.