08:02 ص الإثنين 30 مارس 2015 قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.. [البقرة: 180]. والحق كما أوضحت من قبل لا يقتحم على العباد أمورهم ولكنه يعرض عليهم أمر الإيمان به، فإن آمنوا فهذا الإيمان يقتضي الموافقة على منهجه، ولذلك فالمؤمن يشترك بعقيدته في الإيمان بما كتب الله عليه. إن المؤمن هو من ارتضى الله إلهاً ومشرعاً، فحين يكتب الله على المؤمن أمراً، فالمؤمن قد اشترك في كتابة هذا الأمر بمجرد إعلانه للإيمان. أما الكافر بالحق فلم يقتحم الله عليه اختياره للكفر، ولذلك لم يكتب عليه الحق إلا أمراً واحداً هو العذاب في الآخرة. فالله لا يكلف إلا من آمن به وأحبه وآمن بكل صفات الجلال والكمال فيه. كيف نجمع بين حديث (لا وصية لوارث) ، مع الأمر بها للوالدين والأقربين في القرآن؟ - الإسلام سؤال وجواب. ولذلك فالتكليف الإيماني شرف خص به الله المحبين المؤمنين به، ولو فطن الكفار إلى أن الله أهملهم لأنهم لم يؤمنوا به لسارعوا إلى الإيمان، ولرأوا اعتزاز كل مؤمن بتكليف الله له. إن المؤمن يرى التكليف خضوعا لمشيئة الله. والخضوع لمشيئة الله يعني الحب. ومادام الحب قد قام بين العبد والرب فإن الحق يريد أن يديم هذا الحب، لذلك كانت التكاليف هي مواصلة للحب بين العبد والرب.
أي: فُرِضَ عليكم- أيُّها المؤمنون- إذا أتَتْكم أسبابُ الموت ومقدِّماتُه، وكان لديكم مالٌ: أنْ تعهَدوا ببعضِ هذا المال إلى الوالديْنِ اللَّذيْن لا يرثان لمانع، وإلى الأقارب الذين لا يرثون، وذلك مِن غير إسرافٍ ولا تقتير، ولا اقتصارٍ على الأبعدِ دون الأقرب، بل يُرتَّبون على القُربِ والحاجة، ودون إجحافٍ بالوَرَثةِ، فلا تُتجاوَزُ الوصيةُ لأولئك بأكثرَ من ثُلُث المال، وهذا أمرٌ ثابتٌ ومؤكَّدٌ على المتَّصفين بالتَّقوى [1616] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/123، 124، 138)، ((تفسير السعدي)) (ص: 85)، (2/305-308). وحَكَى الماورديُّ والقرطبيُّ: الإجماعَ على أنَّ الخير هنا بمعنى المال. يُنظر: ((النكت والعيون)) (1/231)، ((تفسير القرطبي)) (2/259). كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا. وذهب إلى أنَّ الآيةَ غير منسوخة: ابن جرير في ((تفسيره)) (3/124)، والنَّحَّاس في ((الناسخ والمنسوخ)) (ص: 88)، والسعدي في ((تفسيره)) (ص: 85). وذهب إلى ذلك أيضًا: الحسن البصري، وطاوس، وقَتادة، والعلاء بن زيد، ومُسلِم بن يَسار. يُنظر: ((الناسخ والمنسوخ)) لهِبة الله بن سلامة (ص: 41). وممَّن قال بأنَّ الآية منسوخة بآية المواريث: الواحدي في ((التفسير الوسيط)) (1/268-269)، وابن كثير في ((تفسيره)) (1/492)، وابن عاشور في ((تفسيره)) (2/149).
هذا التعبير يشير ضمنياً إلى مشروعية الثروة، لأن الأموال غير المشروعة يليست خيراً بل شراً وبا. ويستفاد من بعض الروايات أن تعبير «خَيراً» يراد به الأموال الموفورة، لأن المال اليسير لا يحتاج إلى وصية، ويستطيع الورثة أن يقسّموه بينهم حسب قانون الإِرث. بعبارة اُخرى المال اليسير ليس بشيء يستدعي أن يفصل الإِنسان ثلثه عن طريق الوصية. وجملة ﴿إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ تبيّن آخر فرصة للوصيّة، وهذه الفرصة الأخيرة إن فاتت أيضاً فلا فرصة بعدها... اية كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت. أي لا مانع أن يكتب الإِنسان وصيته قبل ذلك، بل يستفاد من الروايات أن هذا عمل مستحسن. ولا قيمة لتلك التصورات المتشائمة من كتابة الوصية، فالوصية إن لم تكن باعثاً على طول العمر، لا تبعث إطلاقاً على تقريب أجل الإِنسان! بل هي دليل على بعد النظر وتحسّب الاحتمالات. تقييد الوصية ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ إشارة إلى أن الوصية ينبغي أن تكون موافقة للعقل من كل جهة، لأن «الْمَعْرُوف» هو المعروف بالحُسْنِ لدى العقل. يجب أن تكون الوصية متعقلة في مقدارها وفي نسبة توزيعها، دون أن يكون فيها تمييز، ودون أن تؤدي إلى نزاع وانحراف عن أُصول الحق والعدالة. حين تكون الوصية جامعة للخصائص المذكورة فهي محترمة ومقدسة، وكل تبديل وتغيير فيها محظور وحرام.