ورغب في الولد، فقام فصلَّى، ثم دعا ربه سرًّا فقال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [سورة مريم: 4-6] ، = وقوله: (3) ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) = وقال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [سورة الأنبياء: 89]. 6941 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: فلما رأى ذلك زكريا - يعني فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف - عند مريم قال: إنّ الذي يأتي بهذا مريمَ في غير زمانه، قادرٌ أن يرزقني ولدًا، قال الله عز وجل: " هنالك دعا زكريا ربه " ، قال: فذلك حين دعا. 6942 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة قال: فدخل المحرابَ وغلَّق الأبوابَ، وناجى ربه فقال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا إلى قوله: رَبِّ رَضِيًّا = فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ الآية.
6943 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم قال: فدعا زكريا عند ذلك بعد ما أسنّ ولا ولد له، وقد انقرض أهل بيته فقال: " ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " ، ثم شكا إلى ربه فقال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا إلى وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا = فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ الآية. * * * وأما قوله: " ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة " ، فإنه يعني بـ " الذرية " النسل، وبـ " الطيبة " المباركة، (4) كما:- 6944 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " قال رَبّ هب لي من لدنك ذرية طيبة " ، يقول: مباركة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة آل عمران - الآية 38. * * * وأما قوله: " من لدنك " ، فإنه يعني: من عندك. * * * وأما " الذرية " ، فإنها جمع، وقد تكون في معنى الواحد، وهي في هذا الموضع الواحد. وذلك أنّ الله عز وجل قال في موضع آخر، مخبرًا عن دعاء زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [سورة مريم: 5] ، ولم يقل: أولياء - فدلّ على أنه سأل واحدًا. وإنما أنث " طيبة " ، لتأنيث الذرّية، كما قال الشاعر: (5) أَبُــوكَ خَلِيفَــةٌ وَلَدَتْــهُ أُخْــرَى وَأَنْـــتَ خَلِيفَـــةٌ, ذَاكَ الكَمَــالُ (6) فقال: " ولدته أخرى " ، فأنَّث، وهو ذَكر، لتأنيث لفظ " الخليفة " ، كما قال الآخر: (7) فَمَــا تَْــزدَرِي مِـنْ حَيَّـةٍ جَبَلِيَّـةٍ سُـكَاتٍ, إذَا مَـا عَـضَّ لَيْسَ بِـأَدْرَدَا (8) فأنث " الجبلية " لتأنيث لفظ " الحية " ، ثم رجع إلى المعنى فقال: " إذا مَا عَضّ" ، لأنه كان أراد حَية ذكرًا، وإنما يجوز هذا فيما لم يقع عليه " فلانٌ" من الأسماء، كـ " الدابة، والذرية، والخليفة ".
وأما قوله: " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " فإنه يعني ب " الذرية " النسل ، وب " الطيبة " المباركة ، كما: - 6944 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط ، عن السدي: " قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " يقول: مباركة. [ ص: 362] وأما قوله: " من لدنك " فإنه يعني: من عندك. وأما " الذرية " فإنها جمع ، وقد تكون في معنى الواحد ، وهي في هذا الموضع الواحد. وذلك أن الله - عز وجل - قال في موضع آخر ، مخبرا عن دعاء زكريا: ( فهب لي من لدنك وليا) [ سورة مريم: 5] ، ولم يقل: أولياء - فدل على أنه سأل واحدا. وإنما أنث " طيبة " لتأنيث الذرية ، كما قال الشاعر: أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ، ذاك الكمال فقال: " ولدته أخرى " فأنث ، وهو ذكر ، لتأنيث لفظ " الخليفة " كما قال الآخر: فما تزدري من حية جبلية سكات ، إذا ما عض ليس بأدردا فأنث " الجبلية " لتأنيث لفظ " الحية " ثم رجع إلى المعنى فقال: " إذا ما عض " لأنه كان أراد حية ذكرا ، وإنما يجوز هذا فيما لم يقع عليه " فلان " من الأسماء ، ك " الدابة ، والذرية ، والخليفة ". فأما إذا سمي رجل بشيء من ذلك ، [ ص: 363] فكان في معنى " فلان " لم يجز تأنيث فعله ولا نعته. وأما قوله: " إنك سميع الدعاء " فإن معناه: إنك سامع الدعاء ، غير أن " سميع " أمدح ، وهو بمعنى: ذو سمع له.
قال السعدي رحمه الله: أي: دعا زكريا عليه السلام ربه أن يرزقه ذرية طيبة، أي: طاهرة الأخلاق ، طيبة الآداب، لتكمل النعمة الدينية والدنيوية بهم. فاستجاب له دعاءه.
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ (34) قوله تعالى: فإذا جاءت الطامة الكبرى أي الداهية العظمى ، وهي النفخة الثانية ، التي يكون معها البعث ، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه ، وهو قول الحسن. وعن ابن عباس أيضا والضحاك: أنها القيامة; سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء ، فتعم ما سواها لعظم هولها; أي تقلبه. وفي أمثالهم: جرى الوادي فطم على القري المبرد: الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع ، وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم: طم الفرس طميما إذا استفرغ جهده في الجري ، وطم الماء إذا ملأ النهر كله. غيره: هي مأخوذة من طم السيل الركية أي دفنها ، والطم: الدفن والعلو. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة النازعات - الآية 34. وقال القاسم بن الوليد الهمداني: الطامة الكبرى حين يساق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار. وهو معنى قول مجاهد: وقال سفيان: هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار إلى الزبانية. أي الداهية التي طمت وعظمت; قال: إن بعض الحب يعمي ويصم وكذاك البغض أدهى وأطم
الطامة الكبرى ورد ذكرها في الآية رقم ( 34) من سورة النازعات في قوله تعالى ( فإذا جاءت الطامة الكبرى). والطامة مأخوذة من الطم وهو الدفن والغمر ، فهذه الداهية تطم وتغمر ما غيرها وتضمحل كل مصيبة وداهية بجانبها. ولللعلماء فيها ثلاثة أقوال: - قيل أن الطامة الكبرى هي النفخة الثانية التي يقوم الناس بعدها من قبورهم للحساب. - وقيل أن الطامة الكبرى هي نفسه يوم القيامة. - وقيل أنها الساعة التي يسلم فيها اهل النار لزبانية النار للعذاب. فإذا جاءت الطامة الكبرى - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وحاصل القول الثالث يرجع إلى الثاني لأن ذلك هو بعض مشاهد يوم القيامة قال ابن جرير الطبري رحمه الله:( قوله: ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت التي تطم على كلّ هائلة من الأمور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، وقيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة...... و عن ابن عباس، قوله: ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) من أسماء يوم القيامة عظمه الله، وحذّره عباده). فابن جرير رحمه الله ذكر قولا واحدا وهي انها يوم القيامة وسميت كذلك لأنها تطم ما غيرها يعني تغمره بعظيم ما فيها من أهوال. وقال القرطبي في تفسيره: فإذا جاءت الطامة الكبرى أي الداهية العظمى ، وهي النفخة الثانية ، التي يكون معها البعث ، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه ، وهو قول الحسن.
ثم أخبرَ تعالى أنَّ الكفارَ يَسألونَ مُستبعدين عن الساعةِ وهي القيامة متى؟ متى مُرْسَاها؟ متى وقت رُسُوئِها ووقوعها؟ {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}؟ قال الله: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} يعني: ما عندكَ مِن علمها شيء، فميعادُ الساعةِ لا يعلمُهُ إلا الله، لا يعلمُها مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبي مرسل، كما قال النبي لجبريل: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِن السائلِ) {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}.
وَيَعْلَمُ إِذْ ذَاكَ أَنَّ مَادَّةَ رِبْحِهِ وَخُسْرَانِهِ مَا سَعَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَنْقَطِعُ كُلُّ سَبَبٍ وَوَصْلَةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا سِوَى الْأَعْمَالِ. - الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم! ليسَ العجبُ مِن الكافرِ الذي لا يؤمنُ بهذا اليوم، ليس العجبُ منه بتركه العمل، لكن العجبُ ممن يؤمن بهذا اليومِ ومع ذلك لا يقومُ بما يليقُ به ولا يستعدُّ له! سبحان الله العظيم! إنَّ أمرَ الإنسانِ لعجيب! ما هي (الطامة الكبرى) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم - أجيب. يا سلام - القارئ: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} أَيْ: جُعِلَتْ فِي الْبِرَازِ، ظَاهِرَةً لِكُلِّ أَحَدٍ، قَدْ بَرَزَتْ لِأَهْلِهَا، وَاسْتَعَدَّتْ لِأَخْذِهِمْ، مُنْتَظِرَةً لِأَمْرِ رَبِّهَا. {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} أَيْ: جَاوَزَ الْحَدَّ، بِأَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَعَاصِي الْكِبَارِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا حَدَّهُ اللَّهُ. {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} عَلَى الْآخِرَةِ فَصَارَ سَعْيُهُ لَهَا، وَوَقْتُهُ مُسْتَغْرِقًا فِي حُظُوظِهَا وَشَهَوَاتِهَا، وَنَسِيَ الْآخِرَةَ وَالْعَمَلَ لَهَا. {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} لَهُ أَيِ: الْمَقَرُّ وَالْمَسْكَنُ لِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أَيْ: خَافَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَمَجَازَاتَهُ بِالْعَدْلِ، فَأَثَرَ هَذَا الْخَوْفَ فِي قَلْبِهِ فَنَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا الَّذِي يُقَيِّدُهَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَارَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَجَاهَدَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةَ الصَّادَّيْنِ عَنِ الْخَيْرِ، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَسُرُورٍ وَنَعِيمٍ {هِيَ الْمَأْوَى} لِمَنْ هَذَا وَصْفُهُ.