"أخرجه البخاري"
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ". وعندما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق به بعض الرجال، وأخذوا يلوموه على فعلته، وقد كان بإمكانه أن يقول أية كذبة ويستغفر له الرسول وينتهي الأمر، إلى أن هم بالرجوع فسألهم: "هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفي" فلما سمع كعب باسم هذين الصحابيين وهما من الصحابة الذين شهدوا بدرًا تابع سيره ولم يلتفت. تتفيذ العقوبة وبدأ تنفيذ العقوبة عندما نهى رسول الله الصحابة رضوان الله عليهم عن الكلام مع المتخلفين الثلاثة فأخذ الناس يجتنبوهم ويتحاشون التعامل معهم. واستمر الحال على ذلك مدة خمسين يومًا، التزم فيها كل من مرارة وهلال – رضوان الله عليهم – بالبكاء في منزلهما، أما كعب فكان يذهب لأداء الصلاة في المسجد ويسلم على رسول الله ويسارقه النظر ليرى هل رد عليه السلام أم لا. وفي يوم من الأيام وبينما كعب يتجول في الأسواق إذا برسول من ملك الغساسنة في الشام يسأل عنه فلما وجده أعطاه كتاباً جاء فيه: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. من هم الثلاثة من الصحابة الذين تشتاق إليهم الجنة - موقع المتقدم. "
فما كان من كعب إلا أن رمى به في التنور. حتى إذا مضت أربعون ليلة إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي كعب فيقول له: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ،" فقال: "فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا. " وبلغ الأمر كلًا من صاحبيه، فاستأذنت امرأة هلال بن أمية رسول الله كي تبقى مع زوجها فهو شيخ كبير غير قادر على خدمة نفسه، فوافق رسول الله شريطة ألا يقربها، إلا أن كعب رفض أن يستأذن رسول الله في امرأته، وآثر الالتزام بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل زوجته لعند أهلها. من هم الثلاثة من الصحابة الذين تشتاق إليهم الجنة؟ - مجلة أوراق. وأكمل عشر ليال أخرى على هذه الحال، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولما أتم خمسين ليلة جاءه الفرج من فوق سبع سماوات، ونزل فيه وفي أصحابه قرآنًا يتلى إلى يوم الدين فقال الله جل في علاه: "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة 118).
[٢] هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، بدرىّ. [٣] مُرَارَةُ بنُ الربيع ابن عَمرو بن الحارث بن زيد بن الجَدّ بن العَجلان، وكان قديمَ الإسلام، بدري. [٤] ولم يكن هؤلاء الصحابة الثلاثة فقط الذين تخلفوا، وإنما تخلف كثيرٌ من المنافقين والمعذرين منهم لعدّة أسباب، منها ما يأتي: [٥] وقعت غزوة تبوك في رجب سنة تسع للهجرة، فأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وكان ذلك في زمان من العسرة، وشدّة الحر، وجدب البلاد. الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك - مقال. كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن يغزوا لا يخبر أصحابه عن المكان الذي يقصده بالتحديد، إلا في غزوة تبوك أخبرهم أنه يريد الروم، ليتأهب الناس لذلك، والسبب: بُعد الطريق ومشقته. شدّة الزمان. كثرة العدو وقوته. ولكن هؤلاء الثلاثة -رضي الله عنهم- أبطأت بهم النية عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عندما بدأ بالخروج بالجيش حتى تخلفوا عنه عن غير شك ونفاق ولا ارتياب، وكانوا نفر صدق، ولا يُتّهمون في إسلامهم. [٦] مصير من تخلفوا في غزوة تبوك كان هناك أكثر من فئة تخلفت عن غزوة تبوك، وبيّن الله حكمه في كل أحد منهم حسب صدقه كما يأتي: [٧] الصحابة الثلاثة عندما قدم الرسول -عليه الصلاة والسلام- المدينة قال لأصحابه -رضي الله عنهم- أن لا يكلموا أحداً من هؤلاء الثلاثة حتى يقضي الله فيهم، فنزل فيهم قوله -تعالى- (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).
إذا بمنادي يصرخ ويقول "يا كعب بن مالك أبشر" وجاءت التوبة وقال كعب، فما أنعم الله على بنعمة بعد الإسلام. وكذلك أيضًا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبي كعب من يبشرهم بتوبة الله عليهم. ثم ذهب كعب بن مالك لاستعارة ثوبين لكي يلبسهم لملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ نفسه بهمها يطير إلى النبي، وعندما وصل تجمع حوله الناس فرحين ومسرورين بتوبة الله عليه. وعندما جاء أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بشره بأن الله تاب عليه وعلى أصحابه وتلا عليه الآيات التي نزلت من سورة التوبة: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}، إلى قوله تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. الدروس المستفادة من قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فقد تعلمنا من هذه القصة أن الصدق هو الخير للإنسان في حياته ومماته حتى لو كانت عواقبه كبيرة. عندما قال كعب بن مالك وأصحابه الصدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نالوا توبة يشهد عليها كل المسلمين حتى يوم القيامة. كما تعلمنا أيضًا أهمية التصالح مع النفس ونتيجتها في تحسن الحياة. وقد علمنا مدى تصالح كعب بن مالك مع نفسه عندما حكى هذه القصة بجميع مصاعبها لابنه.
وكان حينها كعب في بيته قد أنهكه الهجر، حين سمع صوتًا يقول: "يا كعب بن مالك أبشر" فعلم أنه تاب الله عليه، فخر ساجدًا لله، وأعطى من بشره ثوبه الوحيد الذي لا يملك غيره، وخرج مسرعًا للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا وصف كعب للقاء: "وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ». قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ «لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ.
نزلت التوبة أول ما نزلت في سيدنا آدم عليه السلام، وهو أول الأنبياء، وبالرغم من نبوته إلا أنه أخطأ وتاب، وقد أكد ديننا الحنيف في أكثر من موضع أن جميع ولد آدم وحتى قيام الساعة خطاؤون وبأن خيرهم من يعود تائبًا إلى ربه عز وجل. فسار الصحابة على هذا النهج، ولم يحيدوا عنه قيد أنملة، وكانت حياتهم دروسًا لنا نستلهم منها العبر. وخير مثال على هذا ما حصل أيام غزوة تبوك؛ فإليك قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك باختصار، حيث شاء الله أن تكون هذه الغزوة في وقت حر وزمن قحط؛ ليمتحن قلوب المؤمنين، فالطريق طويل شاق، والعدو قوي لا يستهان به. فنادى منادي الجهاد عندما تناهى إلى مسامع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم يحشدون قواتهم على مشارف الشام لغزو المسلمين؛ فسارع الصحابة حينها لتلبية النداء وبدأوا يعدون العدة والعتاد لتجهيز جيش العسرة إلا ثلاثة من الصحابة رضوان الله عليهم استسلمت أنفسهم للراحة إلى جانب بعض المنافقين الذي كانوا يجهزون الأعذار الكاذبة. أسماء الصحابة الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك أما أول هؤلاء الصحابة فكان مرارة بن الربيع الذي تخلف بسبب بستان له قد أينعت ثماره، فحدثته نفسه: كيف تترك الشجر والظل والثمر، وتخرج في شدة الحر؟ أما هلال بن أمية فقد اجتمع أهله في المدينة، وأحب أن يأنس بقربهم، فتردد في الذهاب إلى أن فاته الغزو.