فلما تقدم ذكر الدعاء بمعنييه: معنى العبادة ، ومعنى سؤال المطلوب ، أردف بهذا الأمر الجامع لكلا المعنيين. والقول المخبر عنه بفعل قال ربكم يجوز أن يراد به كلام الله النفسي ، أي ما تعلقت إرادة الله تعلقا صلاحيا ، بأن يقوله عند إرادة تكوينه ، ويجوز أن يراد القول اللفظي ويكون التعبير بـ ( قال) الماضي إخبارا عن أقوال مضت في آيات قبل نزول هذه الآية مثل قوله فادعوا الله مخلصين له الدين بخلاف قوله أجيب دعوة الداع إذا دعان فإنه نزل بعد هذه الآية ، ويجوز أن يكون الماضي مستعملا في الحال مجازا ، أي يقول ربكم: ادعوني. والدعاء يطلق بمعنى النداء المستلزم للاعتراف بالمنادى ، ويطلق على الطلب وقد جاء من كلام النبيء - صلى الله عليه وسلم - ما فيه صلاحية معنى الدعاء الذي في هذه الآية لما يلائم المعنيين في حديث النعمان بن بشير قال: سمعت النبيء - صلى الله عليه وسلم - يقول: الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح ، فإن قوله الدعاء هو العبادة يقتضي اتحاد الحقيقتين [ ص: 182] فإذا كان الدعاء هو العبادة كانت العبادة هي الدعاء لا محالة.
ففعل ادعوني مستعمل في معنييه بطريقة عموم المشترك. وفعل أستجب مستعمل في حقيقته ومجازه ، والقرينة ما علمت وذلك من الإيجاز والكلام الجامع. وتعريف الله بوصف الرب مضافا إلى ضمير المخاطبين لما في هذا الوصف وإضافته من الإيماء إلى وجوب امتثال أمره لأن من حق الربوبية امتثال ما يأمر به موصوفها لأن المربوب محقوق بالطاعة لربه ، ولهذا لم يعرج مع هذا الوصف على تذكير بنعمته ولا إشارة إلى كمالات ذاته. وجملة إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم تعليل للأمر [ ص: 183] بالدعاء تعليلا يفيد التحذير من إباية دعاء الله حين الإقبال على دعاء الأصنام ، كما قال تعالى ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا وكان المشركون لا يضرعون إلى الله إلا إذا لم يتوسموا استجابة شركائهم ، كما قال تعالى فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ، ومعنى التعليل للأمر بالدعاء بهذا التحذير: أن الله لا يحب لعباده ما يفضي بهم إلى العذاب ، قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر ففي الآية دليل على طلب الله من عباده أن يدعوه في حاجاتهم. ومشروعية الدعاء لا خلاف فيها بين المسلمين وإنما الخلاف في أنه ينفع في رد القدر أو لا وهو خلاف بيننا وبين المعتزلة.