وفي الحديث عن قلب المؤمن الثابت الرافض للفتن أنه: أبيض نقي مثل الصفاة لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض. والصفاة الصخرة الملساء. الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية كلها لم يصدر في تعامله مع أحد من الناس لا في أيام الضعف ولا في أيام القوة عن حقد وكراهية وضغينة وإرادة انتقام أو حرص عليه أو سعي له ، بل كانت صفحة صدره الشريف دائما بيضاء نقية مستعدة للبناء على الساعة التي هو فيها ونسيان الماضي بكل مآسيه. دعاؤنا ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، لا يستجر مفهوم المخالفة بأن يستبيح لنفسه أن يجعل قلبه مستودع فحم للسخيمة ضد كل من يظن فيهم المخالفة له في عقيدة أو رأي أو موقف ؛ فيجعل كل هذا جواز سفر لعبور الحقد إلى قلبه ، فيحقد على هذا لأنه فاسق ، وعلى ذاك لأنه مبتدع ، وعلى ثالث لأنه خالفه في طريقة " أكل البطيخ " على ما نقول في بلاد الشام. دعاء ليلة القدر مكتوب 2022. الحقد في القلوب ينعكس على الوجوه فترى وجوه الحاقدين والعياذ بالله " كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ". ونصاعة القلوب وسلامتها ونقاؤها تشرق على الوجوه فتلألأ نورا ورضوانا ومحبة.. اللهمَّ طهِّر قلوبنا من النفاق ومن الغل والحقد والضغينة والبغضاء والكبر والعجب والحسد اللهم عمّر قلوبنا بالحب والرضا واجعلنا من عبادك المخلَصين..
بينما خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا بماهية قابلة للخير والشر معاً. ولو فرضنا أن أُخرجت هذه المشاعر من قلب الإنسان في الدنيا، لنبتت ثانية في القلب، كما ينبت الشعر المزال؛ لأنها لصيقة بفطرة الإنسان. ولعل هذا السبب هو الذي جعل صيغة الدعاء في التعبير القرآني معبراً عنها بالفعل { ولا تجعل}، بدلاً من التعبير عنها بالفعل (انزع)، ما يعني أن الواجب الملقى على عاتق الإنسان هو التوجه بالدعاء القولي والفعلي لله تعالى، ومحاولة التخلص من هذه المشاعر التي تعد مثل الأشواك المستقرة في القلب. وبهذه الوسيلة يستطيع المؤمن التطهر من المشاعر السيئة، ويكون أهلاً للجنة، ويقبله الله تعالى في عداد عباده المرضين. ثانياً: على المسلم أن يدعو الله على الدوام بأن لا يجعل في قلبه حقداً وحسداً على أحد من إخوانه المسلمين، فالمسلم لا يكون حقوداً ولا حسوداً على أحد من الناس، فضلاً عن أن يكون كذلك على أحد من إخوانه المسلمين. وفي حديث طويل رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار، وقد تكرر ذلك منه ثلاثة أيام، فأراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن يقف على السر وراء ما قاله رسول الله صلى الله وسلم في حق هذا الرجل، فطلب منه أن يبيت عنده لبعض الليالي، فلم ير منه شيئاً ذا بال، فسأله عن السر في ذلك، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.
والحديث بتمامه رواه أحمد. ثالثاً: في الآية الكريمة رسالة موجهة إلينا وإلى من بعدنا، تطلب منا أن نحب سلفنا الصالح، وأن ندعوا بالخير لهم، وننزلهم المنزلة التي يستحقونها، وأن لا ننال من أحد منهم من قريب أو بعيد. وبحسب قوله تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71). وقوله سبحانه: { إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10)، فإن على الذين تربطهم آصرة الإيمان، وتجمعهم رابطة الإسلام، أن يتحابوا بينهم، ويحترموا من سبقهم، ويغضوا الطرف عمن فرط منهم، وألا يحملوا على الإطلاق أي حقد، أو غل، أو عداء تجاههم. كما أن فيها ما يدعونا إلى تقدير أهل العلم، ورجال الفكر الذين تركوا في حياتنا وفي مشاعرنا وأفكارنا وعقيدتنا أثراً لا يمحى، وميراثاً لا يُنسى. رابعاً: ويُستفاد من هذه الآية، أن كل إنسان يسعد -وكذلك يتألم- بنسبة ترقي وسمو مشاعره، ومقدار السعادة والاطمئنان الذي يحس به الإنسان في الجنة يتناسب مع مقدار ترقي وسمو مشاعره في الدنيا. وتأسيساً على هذا يمكن القول: إن الإنسان لكي ينعم في الدنيا أولاً، وينعم في الجنة تالياً، فإن عليه أن يتخلص من مشاعر الحقد والغل والحسد، وغيرها. أخيراً: فما أحوج المسلمين اليوم -وكل يوم- إلى أن يستحضروا مضمون هذه الآية الكريمة، ويعملوا بتوجيهاتها، ويهتدوا بهديها، { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}.