ومما تقدم فإن من لم يؤمن بالقدر لا تقبل أعماله، فلا ينتفع لا بصلاة ولا بصيام ولا بصدقة ولا غير ذلك، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5]. فإيمان العبد ودينه لا يمكن أن ينتظم إلا إذا آمن بأقدار الله جل وعلا، وأنَّ كلَّ شيء بقدر، وأن يؤمن بالقدر كلِّه حلوه ومره، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فلا إيمان لمن لم يؤمن بالقدر، ومن كذب بالقدر فلا إيمان له ولا توحيد، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن وكذب بالقدر فهو نقض للتوحيد) [14] ، ومما يوضح هذا قول الإمام أحمد: (القدر قدرة الله) [15] ، فأي توحيد عند من ينكر قدرة الله [16]. من كتاب "رسالتان في القدر والربا ومقالات متنوعة" للمؤلف. الدرر السنية - الموسوعة العقدية. [1] انظر: تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة (ص441-442). [2] انظر: رسائل في العقيدة، للشيخ محمد بن عثيمين (ص37). [3] أخرجه البخاري برقم (50، 4777)، ومسلم برقم (9)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم برقم (1)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [4] معنى هذه الآية: أن الله عز وجل قدَّر أن يخلق خلقًا، ويأمرهم وينهاهم، ويجعل ثوابًا لأهل طاعته، وعقابًا لأهل معصيته، فلما قدَّره كتب ذلك وغيَّبه، فسماه الغيب وأم الكتاب، وخلق الخلق على ذلك الكتاب: أرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، وما يصيبهم من الأشياء من الرخاء والشدة، فكان أمر الله الذي مضى، وفرغ منه، وخلق الخلق عليه قدرًا مقدورًا.
أمـا الشرع: فقد قـال الله تعالى في المشيئة: ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) النبأ /39. وقال: ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة /223. وقال في القدرة: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16. وقال: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة /286. فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه. وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي ، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته ، لقول الله تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير /28-29. ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته. تعريف القضاء والقدر لغة وشرعاً - موضوع. والله تعالى أعلم. انظر: رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين.
بتصرّف. ↑ عمر سليمان عبد الله الأشقر (2005)، القضاء والقدر (الطبعة الثالثة عشر)، عمان - الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 21-25. بتصرّف. ↑ ابن تيمية، الإيمان بالقضاء والقدر ، صفحة 36-38. بتصرّف. ↑ سورة يس، آية: 83. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح. ↑ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي، شرح سنن ابن ماجة ، صفحة 6، جزء 5. بتصرّف. ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (2004)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 105، جزء 1. بتصرّف. ↑ حسن محمد أيوب (1983)، تبسيط العقائد الإسلامية (الطبعة الخامسة)، بيروت - لبنان: دار الندوة الجديدة، صفحة 24، جزء 1. بتصرّف. ↑ سورة الأحزاب، آية: 38. معني الايمان بالقضاء والقدر ppt. ↑ سورة الحجر، آية: 21. ↑ ابن تيمية، الإيمان بالقضاء والقدر ، صفحة 39-42. بتصرّف. ↑ سورة القمر، آية: 49. ↑ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي (2006)، القضاء والقدر (الطبعة الثانية)، السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 108. بتصرّف.
والله أعلم.