تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يقول: رحمك الله؛ ربيتني صغيرا، فتقول: يا بني! وأنت فجزاك الله خيرا، ورضي عنك؛ كما بررتني كبيرا. قال الوالد رحمه الله: حسن الإسناد "صحيح الأدب المفرد" (11). أتعجبون من أم أوتيت مزيد رأم؛ فترى بر ابنها تفضلا عليها؛ فكان حقه بالغ الثناء ب: جزاك الله خيرا؟! ألا فليحفظ الله أمي ألا فجزى الله أمي خيرا. ويقولها العمل الصالح: وهذا يكون في القبر.. صندوق العمل! للحديث الطويل الذي رواه البراء بن عازب رضي الله عنه، ففي إحدى واياته –وقد أوردها الوالد رحمه الله في "أحكام لجنائز" (158 و 159)، والنقل الاتي من "مسند الإمام أحمد" (4/ 296) – أنه بعد أن يفتن العبد المؤمن ويثبت في الجواب: «يأتيه ات حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم؛ فيقول: وأنت؛ فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول: "أنا عملك الصالح، كنت –والله! - سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله؛ فجزاك الله خيرا. جزاك الله خيرا أخي. ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة؛ قال: رب! عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن... ».
جزاك الله خيرًا مكافأةُ بلوغِ قطارِ إنجازاته محطةَ الهبوطِ الاضطراريِّ - صرفُ معاشِه. تدهوَرَتْ عافيته استعدادًا لعبوره للعالم الآخر. ثم دهمه اليقين. تنكش أرملتُه البَصْمَجيَّةُ لباسَه البالي؛ بحثًا عن أيِّ فلوسٍ، فتُقابِل إفلاسًا! وتُفتِّش عن بطاقة المعاش، فلا تجد لها أصلًا ولا صورة. تتعمَّق في بحرِ مخلَّفاته، فلم تَصْطَدْ ما يُقِيم أَوَدَها! بلغت أضعف الكِبَر. سألتُها: • كم معاشُك من المرحوم؟ • فاحمرَّت عيناها، وسحَّت وأنَّت، وفركَتْ كفَّيها المعروقتين تعبيرًا عن صِفْرِيَّتِها. • مستحيلٌ! كان له تأمينٌ اجتماعي، أنا متأكد. استطعتُ بعد لَأْيٍ الإلمامَ بحالها. فلِأُنْعِشَها من الموت الاعتباري: صوَّرتها. جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك. سنَّنتها. استخرجتُ لها شهادةَ ساقطةِ قَيدِ ميلاد. استخرجتُ لها إثبات الشخصية. نقشتُ ختمًا باسمها عند العجوزِ خلف المحكمة. عبَّأت استمارة التأمينات والمعاشات. وبتقديمِها لمدير التأمينات، رحَّب بي، وعزاني بتأثرٍ في المرحوم. ذهب بنفسه للبحث في السجلات. وعاد نمرًا، مقتحمًا وحدتي، مكشرًا عن أنيابه الصفر، قائلًا: • سأسجنُك يا حرامي، يا مُزوِّر، يا مُجرم، تريدُ تكرارَ الصرف؟! أنظرُ حولي بانزعاجي الدهش: • هل يُهدِّد غيري؟ • لا.
تتابع رصاصُ كلماته يدمي أعصابي، ورشاش لعابه يكوي وجهي. شعرت بالقرف. قلت مصطنعًا الهدوء: حتي إن حدثت جنايةٌ، فأنا محامٍ، ولست المستلمَ لشيءٍ. دخل المكتب موظفُ التأمينات وقال للمدير: • المعاش سيُورده الصراف حالًا. لحظاتٌ ثقيلاتٌ كتمتُ أنفاسي، ووجداني يفور غضبًا، ويأتي المكتبَ موظفٌ نحيلٌ، أصلع، طويل اللحية الرمادية، تزين جبهتَه علامةُ الصلاة الناتئة، ناول المدير ظرفًا منفوخًا. يخرج ثلاثتهم لغرفةٍ جانبية، وأنا في محنتي. يعودون ويسلمون الأرملةَ شيكًا بمبلغ المعاش، شاملًا ما لم يُصرَف منذ وفاة زوجها. فتُناوِله لي بيدٍ مرتجفة. ملتقى الشفاء الإسلامي - مفاااجأة @ السبحة الالكترونية يمكنك التسبيح بها من خلال اي زر على الكيبورد أو الماوس. يهجُمُ عليَّ المدير يحتضنُني قائلًا: بالله عليك لا تدعُ عليَّ، أنا آسف لك وأعتذر لك، سأحيل الصرَّاف للتحقيق. فقلت. • لا عليك، حصل لنا خير. تصرِفُ الأرملة مبلغًا تراه ثروة، فتتسع مُقلتاها، وتظهر علامات الدهشة ناطقةً على مُحيَّاها. تُلَمْلِمُ في حرص الشغفة، ولهفةِ الظمآنة - الجنيهاتِ وكسورَها في طرحتِها السوداء الكالحة، ولا تستثني! قلت لها: • هاتيها في الحقيبة أأمنُ لك. • قالت في شدة: • واحتضنتهم لصدرها الماحل. ليلًا جاءت لي السخيَّة الوفية! المكتب بمبلغ عشرين جنيهًا، تراه كامل أتعابي، بل أكثر!