وهذه من السنن التي جرت في جميع الشرائع، كما أشار الله تعالى إلى ذلك على لسان نوح (عليه السلام) بقوله: (قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) هود 28. وفي الآية مباحث: المبحث الأول: قال الطوسي في التبيان: حكى الله تعالى عن نوح ما قاله لقومه جواباً عما قالوه له فانه: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة) أي برهان وحجة من المعجزة التي تشهد بصحة النبوة. قال تعالى { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أعرب كلمة أنلزمكموها ؟. وخصهم بهذا إذ هو طريق العلم بالحق لا ما التمسوا من اختلاف الخلق. وقوله: (آتاني رحمة من عنده) يرّد عليهم ما ادعوه من أنه ليس له عليهم فضل، فبين ذلك بالهداية إلى الحق من جهة البرهان المؤدي إلى العلم. وقوله: (فعمّيت) يحتمل امرين: احدهما خفيت عليكم، لأنكم لم تسلكوا الطريق المؤدي اليها. والاخر أن يكون المعنى عميتم عنها، واضاف العمى إلى البينة لما عموا عنها لضرب من المجاز، لأن المعنى ظاهر في ذلك، كما يقال: ادخلت الخاتم في يدي والقلنسوة في راسي، والمراد ادخلت يدي في الخاتم ورأسي في القلنسوة. ومن قرأ بتشديد الميم وضم العين أضاف التعمية إلى غيرهم ممن صدهم عن النظر فيها واغواهم في ذلك من الشياطين والمضلين عن الحق.
وقوله: "أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" ، يقول: أنأخذكم بالدخول في الإسلام ، وقد عماه الله عليكم ، "وأنتم لها كارهون" ، يقول: وأنتم لإلزامناكموها ، "كارهون" ، يقول: لا نفعل ذلك ، ولكن نكل أمركم إلى الله ، حتى يكون هو الذي يقضي في أمركم ما يرى ويشاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قل أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال نوح: "يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" ، قال: قد عرفتها ، وعرفتها بها أمره ، وأنه لا إله إلا هو ، "وآتاني رحمة من عنده" ، الإسلام والهدى والإيمان والحكم والنبوة. حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: "أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" ، الآية ، أما والله لو استطاع نبي الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه. “أَنُلْزِمُكُمُوهَا” .. بِلغة أخرى – المُريد •. حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا سفيان ، عن داود ، عن ابي العالية قال: في قراءة أبي: أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون. حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ،عن ابن عيينة قال ، أخبرنا عمرو بن دينار قال ، قرأ ابن عباس أنلزمكموها من شطر أنفسنا ، قال عبد الله: من شطر أنفسنا ، من تلقاء انفسنا.
فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم كم أحب إليك؟ أيوما أو يومين؟ قال: بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. وأراد مقاربته ومدافعته، فقال: عن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثا فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزاء (أي الجزية) فتقبل ونكف عنك، أو المنابذة (أي المقاتلة) في اليوم الرابع، ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا. قال: أسيدهم أنت؟ قال: لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم (انظر التاريخ الإسلامي للدكتور عبد العزيز الحميدي جزء 10 ص 413-414). فصل: إعراب الآية رقم (32):|نداء الإيمان. هذا حوار رائع في هذا الموقف العصيب دليل على أهمية الحوار مع الأعداء.
وهو استفهام بمعنى الإنكار، أي لا يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها، وإنما قصد نوح عليه السلام بهذا القول أن يرد عليهم. وحكى الكسائي والفراء ( أنلزمكموها) بإسكان الميم الأولى تخفيفاً، وقد أجاز مثل هذا سيبويه ، وأنشد: فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل وقال النحاس: ويجوز على قول يونس في غير القرآن أنلزمكمها يجزى المضمر مجرى المظهر، كما تقول: أنلزمكم ذلك. " وأنتم لها كارهون " أي لا يصح قبولكم لها مع الكراهة عليها. قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك. يقول تعالى مخبراً عما رد به نوح على قومه في ذلك: "أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" أي على يقين وأمر جلي ونبوة صادقة وهي الرحمة العظيمة من الله به وبهم "فعميت عليكم" أي خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل بادرتم إلى تكذيبها وردها "أنلزمكموها" أي نغضبكم بقبولها وأنتم لها كارهون. ثم ذكر سبحانه ما أجاب به نوح عليهم، فقال: 28- "قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" أي أخبروني إن كنت على برهان من ربي في النبوة يدل على صحتها ويوجب عليكم قبولها مع كون ما جعلتموه قادحاً ليس بقادح في الحقيقة، فإن المساواة في صفة البشرية لا تمنع المفارقة في صفة النبوة، واتباع الأراذل كما تزعمون ليس مما يمنع من النبوة فإنهم مثلكم في البشرية والعقل والفهم، فاتباعهم لي حجة عليكم لا لكم، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة "وآتاني رحمة من عنده" هي النبوة، وقيل الرحمة المعجزة، والبينة النبوة.
ألا يتنافى مع الطرح المقدم؟ أقول: هذا البيان أقرب إلى درء الأخطار التي تخرج المجتمع عن الصفة التي يمتاز بها، بسبب أن من يخضع لقانون الجزية، يدخل ضمن النظام الذي يكفل إدارة شؤونه، حتى يكون الناس بمنأىً عن نشر أفكاره أو نشر المحرمات التي اعتاد عليها وجعلها تسير تحت مسمى الشرعية التي اختارها. من هنا يجب اتباع الأدلة والبراهين التي تؤمن لأصحابها إراءة الطريق الأسلم والصراط المستقيم، عند تعرضهم لهذا الأمر، وأنت خبير من أن العقيدة لا يمكن أن تفرض بالقهر، وإن كان بعض أهل العلم يميل إلى هذا الاتجاه، لكن الله تعالى نفى هذا النهج عن الرسل (عليهم السلام) كما خاطب النبي (ص) بقوله: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99. وكذا قوله: (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير) الشورى 8. وقوله تعالى: (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ) الشورى 48. وغير ذلك من الآيات التي تبين هذا الاتجاه، من هنا نعلم أن المنهج المتبع لدى جميع الرسل لا يمكن أن يجانب مراحل التبليغ وإن اختلفت الشرائع، كما في قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) المائدة 48.
قال سويد بن غفلة 50: فأعادت النساء قولها على رجالهن. فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين و الأنصار معتذرين، و قالوا: يا سيدة النساء. ، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد 51 ، و نُحْكِم العقد لما عَدَلنا إلى غيره! فقالت: إليكم عني! ، فلا عذر بعد تعذيركم، و لا أمر بعد تقصيركم 52. مواضيع ذات صلة
حدثنا بشر ، قال: حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: أرأيْتُمْ إنْ كُنْتُ على بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي... الآية ، أما والله لو استطاع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه. حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا سفيان ، عن داود ، عن أبي العالية ، قال: في قراءة أبيّ: «أنلزُمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون ». حدثني المثنى ، قال: حدثنا إسحاق ، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، قال: أخبرنا عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: «أنلزمكموها من شطر أنفسنا » قال عبد الله: مِنْ شَطْرِ أنفسنا: من تلقاء أنفسنا. حدثني الحارث ، قال: حدثنا عبد العزيز ، قال: حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مثله. حدثني الحارث ، قال: حدثنا عبد العزيز ، قال: حدثنا سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب: أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأنتم لها كارهون.