يا جبالُ أوبي معه والطير وألَنّا له الحديد!! مُلكٌ شديد للنبيّ داود، أفسد المفسِّرون بيانه!! - YouTube
وقال أبو حيان: مناسبة قصتيهما عليهما السلام لما قبلها هي أن أولئك الكفار أنكروا البعث لاستحالته في زعمهم فأخبروا بوقوع ما هو مستحيل في العادة مما لا يمكنهم إنكاره إذ طفحت ببعضه أخبارهم وأشعارهم، وقيل: ذكر سبحانه نعمته عليهما احتجاجا على ما منح نبينا صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديما بكذا وكذا فلما فرغ التمثيل له عليه الصلاة والسلام رجع التمثيل لهم بسبأ وما كان من هلاكهم بالكفر والعتو. يا جبال أوبي معه أي سبحي معه قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد ، وأخرجه ابن جرير عن أبي ميسرة إلا أنه قال: معناه ذلك بلغة الحبشة، والظاهر أنه عربي من التأويب، والمراد رجعي معه التسبيح وردديه، وقال ابن عطية: إن أصل ماضيه آب وضعف للمبالغة، وتعقبه في البحر بقوله ويظهر أن التضعيف للتعدية لأن آب بمعنى رجع لازم صلته اللام فعدي بالتضعيف إذ شرحوه بقولهم رجعي معه التسبيح.
فمن قرأ أوبي معه (بفتح الهمزة، وشد الواو المكسورة) فمعناه: يا جبال سبحي معه، ورجعة التسبح لأنه قال: سخرنا الجبال معه يسبحن. ومن قرأ (أوبي معه) أي بضم الهمزة، فمعناه: عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه. ]] أي رجوع وقد كان بعضهم يقرؤه ﴿أُوْبِي مَعَهُ﴾ من آب يئوب، بمعنى تصرفي معه، وتلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ثني محمد بن الصلت قال ثنا أَبو كدينة، وحدثنا محمد بن سنان القزاز قال ثنا الحسن بن الحسن الأشقر قال ثنا أَبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ قال: سبحي معه. ⁕ حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ يقول: سبحي معه. ⁕ حدثنا أَبو عبد الرحمن العلائي قال ثنا مِسْعر عن أَبي حصين عن أَبي عبد الرحمن ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ يقول: سبحي. ⁕ حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ قال: سبحي بلسان الحبشة. ⁕ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال: ثنا فضيل عن منصور عن مجاهد في قوله ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ قال: سبحي معه.
۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ، صلوات الله وسلامه عليه ، مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أنرسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود ". وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه. ومعنى قوله: ( أوبي) أي: سبحي. قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد. وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة. وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها. وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه " الجمل " في باب النداء منه: ( يا جبال أوبي معه) أي: سيري معه بالنهار كله ، والتأويب: سير النهار كله ، والإسآد: سير الليل كله.
وقوله ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ اختلف أهل التأويل في السرد؛ فقال بعضهم: السرد هو مسمار حلق الدرع. ⁕ حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ﴿وَقَدِّرْ فِي السرْدِ﴾ قال: كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد، ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق. وقال آخرون: هو الحلق بعينها. ⁕ حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ قال: السرد حلقه، أي: قدر تلك الحلق، قال: وقال الشاعر: أجادَ المُسَدِّي سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا [[البيت لكثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعي (اللسان: ذيل) وصدره: على ابن أَبي العاص دلاص حصينة...................... قال: وذيل فلان ثوبه تذييلا: إذا طوله. وملاء مذيل: طويل الذيل. ويقال: وأذال فلان ثوبه إذا أطال ذيله؛ قال كثير: على ابن أَبي العاص................... وأذالها وسردها: سمرها بالمسامير، كما يأتي في الشواهد بعده. والمسدي: من التسديد وهي أن يجعل الدرع مضاعفة، لها سدى ولحمة. (على التشبيه بالثوب الذي له سدى ولحمة) أو السدى: أسفل الثوب والدرع، والتسديد منه توسع أسفلها حتى لا يعوق لابسه في السير إذا كان ضيقا، وهذا الشاهد في معنى الشاهد الذي بعده. ]]
وقرأ السلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي عبلة وجماعة من أهل المدينة وعاصم في رواية «والطير» بالرفع، وخرج على أنه معطوف على جبال باعتبار لفظه وحركته لعروضها تشبه حركة الإعراب ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقيل معطوف على الضمير المستتر في أوبي وسوغ ذلك الفصل بالظرف، وقيل: هو بتقدير ولتؤوب الطير نظير ما قيل في قوله تعالى: ( اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة: 35، الأعراف: 19]. وقيل: هو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف أي والطير تؤوب وألنا له الحديد وجعلناه في يده كالشمع والعجين يصرفه كما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة، قاله السدي وغيره، وقيل: جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالسمع بالنسبة إلى قوى سائر البشر.