وهذا كله لا يخرجه عن أن يكون مُسندًا، والله أعلم. (نزهة الأسماع في مسألة السماع) (مجموع رسائله 2/449). الوجه الثالث: أن البخاري لم ينفرد بهذا الحديث عن هشام بن عمار؛ بل تابعه جملة من الرواة كلهم قالوا: حدثنا هشام، أو أنبأنا هشام، وهم: 1. محمد بن إسماعيل بن مهران. 2. موسى الجوني. كلاهما عند السجزي في المنتقى (ح8)، وانفرد الطبراني في الكبير بموسى (ح3417). 3. الحسين بن عبد الله القطان. أخرجه ابن حبان (ح6754). 4. محمد بن يزيد بن عبد الصمد. أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (ح588). 5. الرد على من أعلّ حديث المعازف عند البخاري. - رقيم. الحسن بن سفيان. أخرجه البيهقي في الكبرى (ح20988) وغيرها. الوجه الرابع: ما ذكره ابن القيم في رده على ابن حزم في إغاثة اللهفان (1/457- 458) إذ قال: وجواب هذا الوهم من وجوه: أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار، وسمع منه، فإذا قال: قال هشام، فهو بمنزلة قوله: عن هشام. الثاني: أنه لو لم يسمعه منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صحَّ عنه أنه حدَّث به، وهذا كثيرًا ما يكون: لكثرة مَنْ رواه عن ذلك الشيخ وشهرته؛ فالبخاري أبعدُ خلق الله من التدليس. الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بـ "الصحيح" محتجًّا به، فلولا صِحَّتُهُ عنده لما فعل ذلك.
هـ. ويُجَاب عنه بما ذكره بدر الدين العيني رحمه الله تعالى في: "عمدة القاري" (21/175) بقوله:" قوله: ( قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري) هكذا رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عمار بالشك. وكذا وقع عند الإسماعلي من رواية بشر بن بكر ، لكن وقع في رواية أبي داود من رواية بشر بن بكر حدثني أبو مالك بغير شك. والراجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور. قيل: اسمه كعب ، وقيل: عمرو ، وقيل: عبد الله ، وقيل: عبيد ، يُعد في الشاميين ، وأما أبو عامر الأشعري فقال المزي اختُلِف في اسمه ، فقيل: عبد الله بن هانئ ، وقيل: عبد الله بن وهب ، وقيل: عيد بن وهب ، سكن الشام ، وليس بعَمّ أبي موسى الأشعري" أ. هـ. والقول بجهالة ( أبي عامر) مع كونه صحابياً: لا يَضُر ؛ لثبوت العدالة المطلقة للصحابة ، قاله الحافط ابن حجر رحمه الله تعالى في:"فتح الباري" (10/56) والقاعدة في ذلك عند المحدثين مشهورة ، وذكرها الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في:"الكفاية" (ص/93) بقوله: " كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي e لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله, ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله e ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن" أ.
الرابع: أنه علَّقه بصيغة الجزم، دون صيغة التمريض؛ فإذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه يقول: ويُروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُذكر عنه، نحو ذلك، فإذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد جزم وقطع بإضافته إليه. الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحًا؛ فالحديث صحيح متصل عند غيره: قال أبو داود في كتاب اللباس: حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَة، حدثنا بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قَيْس، قال: سمعت عبد الرحمن بن غَنْم الأشعري، قال: حدثنا أبو عامر أو أبو مالك، فذكره مختصرًا. ورواه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه "الصحيح" مسندًا، فقال: أبو عامر، ولم يشكّ. انتهى. الوجه الخامس: إعلاله بالشك في الراوي؛ لا يضر؛ لأنه شك في اسم الصحابي، والصحابة كلهم عدول. وعليه فنُلزم ابن حزم رحمه الله بما قاله عقب إعلاله الحديث بما تقدم: ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الأخذ به. وبناء على ما تقدم فليس فيه مستمسك لأحد بإعلاله والاستدلال به على حل المعازف. ورضي الله عن الشيخ الطريفي وأطلقه من أسره إذ قال: تحليل المعازف لا يجلب الشك بتحريمها بقدر ما يجلب اليقين بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أخبر عن وقوع ذلك بعده: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون.... المعازف.