تفسير قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا... ) تفسير قوله تعالى: (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم... ) ثم قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16], فكل هذا الترتيب الذي رتبوه مع أنفسهم ومع شياطينهم وهذا الإظهار وهذا الإخفاء شأنه قريب, وإن كان يلوح لهم أنه نوع من الامتياز وحسن التدبير, بل حقيقته ومآله أنهم (اشتروا الضلالة بالهدى), قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16]. فسمى الله هذه تجارة؛ لأن فيها ترتيباً, وبين أنها تجارة خسارة, وأن هذا المكر مآله إلى الخسران, فقال تعالى: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16], وهذا مطرد في أن كل من راعى في فعله ما هو على خلاف شرع الله -وإن لاح له أن ذلك يكون حسناً له أو نافعاً له في دنياه- فإن عاقبته في دنياه وفي آخرته خلاف ذلك. ألا ترى أن أبا طالب لما حضرته الوفاة؛ كما في حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: ( جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة).
قوله تعالى: الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون قوله تعالى: الله يستهزئ بهم أي ينتقم منهم ويعاقبهم ، ويسخر بهم ويجازيهم على استهزائهم ، فسمى العقوبة باسم الذنب. هذا قول الجمهور من العلماء ، والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم ، من ذلك قول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلا أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا [ ص: 201] فسمى انتصاره جهلا ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما. وكانت العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه ، وإن كان مخالفا له في معناه ، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة. وقال الله عز وجل: وجزاء سيئة سيئة مثلها. وقال: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والجزاء لا يكون سيئة. والقصاص لا يكون اعتداء; لأنه حق وجب ، ومثله: ومكروا ومكر الله. و إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا. و إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم وليس منه سبحانه مكر ولا هزء ولا كيد. إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم ، وكذلك يخادعون الله وهو خادعهم. فيسخرون منهم سخر الله منهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا.
أما الطبري فقال في جامع البيان في تفسير القرآن عن أبو جعفر أن العمه هو الضلال، فمعنى قوله: "ويمدهم في طغيانهم يعمهون" أي في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم دنسه وعلاهم رجسه، يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلًا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها فأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها، فلا يبصرون رشدًا ولا يهتدون سبيلًا. ثم يذكر عبد المعطي ما قاله القرطبي عن يعمهون في تفسيره لهذه الآية، قائلًا أنها تعني يعمون، وذكر كذلك قول أهل اللغة: عمه الرجل يعمه عموهًا وعمهًا فهو عمه وعامه إذا حار، ويقال رجل عامه وعمه، أي حائر متردد، وذهبت إبله العمهى إذا لم يدر أين ذهبت، والعمى في العين والعمه في القلب، وفي التنزيل: "فإنها لا تعمل الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"، وروى ابن كثير في تفسيره ما رواه الضحاك عن ابن عباس في "طغيانهم يعمهون" أي في كفرهم يترددون. محتوي مدفوع إعلان
والعمه انطماس البصيرة وتحير الرأي ، وفعله عمه فهو عامه وأعمه. وإسناد المد في الطغيان إلى الله تعالى على الوجه الأول في تفسير قوله " ويمدهم " إسناد خلق وتكوين منوط بأسباب التكوين على سنة الله تعالى في حصول المسببات عند أسبابها.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. المزيد من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر الأكثر استماعا لهذا الشهر عدد مرات الاستماع 3038269177 عدد مرات الحفظ 728599770
فجعل الله كل مخالف لملة إبراهيم سفيهاً, ولا شك أنه كذلك كما أخبر الله جل وعلا به: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122], وأنت إذا رأيته من جهة الاعتبار بان لك ذلك, فإنه وإن كان عارفاً بنوع من العلم أو حتى مبدعاً فيه أو إماماً فيه، إلا أنه بتركه ما هو أعظم وادعى للاعتبار في نفسه وفي مصلحته وفي تقدير خالقه, وهو تركه للدين فهو أبلغ السفاهة. فإن السفيه: هو من لا يحسن التصرف.