أَمَّا الصِّدق فهوَ حجر الزَّاوية في بناءِ اليقينِ والثَّبات والإِستقرار في التَّفكيرِ والإِستنتاج {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. الثَّاني؛ يلزمنا دائماً الإِنتباه حتَّى لا نُساهم في مشاريعِ الكذَّابين ولَو بالتَّأييدِ والتَّصديقِ، وهذهِ واحدةٌ من أَخطر أَدوات الكذَّاب في المُجتمع، فهو يعتمِد على تصديقِ الرَّأي العام بهِ، فكُلَّما صدَّقهُ النَّاس كُلَّما تقدَّم خُطوةً بمشرُوعهِ والعكس هو الصَّحيح إِلى أَن يحصلَ على حالةِ التَّصديقِ بهِ للدَّرجةِ التي تصفها الآية الكرِيمة {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} كيف؟! القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الواقعة - الآية 82. يقولُ تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}. ولذلكَ حذَّرنا القُرآن الكريم من تصديقِ الكذَّاب، لأَنَّ تصديقهُ نَوعٌ من الإِستدراج لمشارِيعهِ التي ينصبَها كفِخاخٍ للسذَّج وشِباكٍ يصطادَ بِها المُغفَّلين {{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
⁕ حدثني أبو صالح الصراري، قال: ثنا أبو جابر "محمد بن عبد الملك الأزدي" قال: ثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم بن أبي أمامة، عن النبيّ ﷺ قال: "ما مُطِرَ قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلا أَصْبَحَ قَوْمٌ بِهَا كَافِرِينَ، ثم قال: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ "يقول قَائلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وَكَذَا. القرآن الكريم - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - تفسير سورة الواقعة - الآية 82. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ أما الحسن فكان يقول: بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب. وقوله: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ يقول تعالى ذكره: فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجسادكم أيها الناس حلاقيمكم ﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ يقول ومن حضرهم منكم من أهليهم حينئذ إليهم ينظر، وخرج الخطاب ها هنّا عاما للجميع، والمراد به: من حضر الميت من أهله وغيرهم وذلك معروف من كلام العرب وهو أن يخاطب الجماعة بالفعل، كأنهم أهله وأصحابه، والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا، فيقول: قتلتم فلانًا، والقاتل منهم واحد، إما غائب، وإما شاهد.
يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حال الذين صدَّقُوا الكذَّاب طاغِية الشَّام مُعاوِية بقولهِ {أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}. وهذهِ هي أَسوء النَّتائج التي تترتَّب على تصديقِ المُجتمع للكذَّاب، أَن تكونَ نحُورهُم ودِماءهُم وأَرواحهُم ثمناً لمشاريعهِ الفاسِدة. لا تستغرب من ذلكَ، ولا تتساءَل مع نفسِكَ؛ وهل يُعقل ذلكَ اليَوم ونحنُ في القرنِ الواحدِ والعشرينَ في عالَمِ القَريةِ الصَّغيرةِ والذي باتَ فيهِ كُلُّ شيءٍ واضِحٌ لا يسترهُ شيءٌ! فسأَقولُ لكَ؛ وماذا تُفسِّر هِتافات البعض [علي وياك علي] خلفَ مواكِب الكذَّابينَ والفاسدينَ والفاشلينَ؟! أَلم يجعل هذا النُّموذج منَ الهتَّافينَ {نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}؟!. يقولونُ لا ندري؟! والله تعالى يُكذِّبهم ويفضحهُم بقولهِ عزَّ وجلَّ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
منتديات كووورة