وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه: عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشى? رأتْ رَجُـــلا غَــائِبَ الوَافِــدَيْنِ مُخْــتَلِفَ الخَـلْقِ أعْشَـى ضَرِيـرا (3) يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا, كنظر من قد عَشِيَ بصره ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا) يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا ( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ). ما معنى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا}؟. حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ) قال: يعرض. وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيحب أن تكون قراءته ( وَمَنْ يَعْشَ) بفتح الشين على ما بيَّنت قيل. * ذكر من تأوّله كذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ) قال: من يعمَ عن ذكر الرحمن.
﴿ومَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهْوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالتَّنْوِيهِ بِالقُرْآنِ ووَصْفِهِ بِأنَّهُ ذِكْرٌ وبَيانٌ لِلنّاسِ، ووَصْفِ عِنادِ المُشْرِكِينَ في الصَّدِّ عَنْهُ والإعْراضِ، وأعْلَمُوا بِأنَّ اللَّهَ لا يَتْرُكُ تَذْكِيرَهم ومُحاجَّتَهم لِأنَّ اللَّهَ يَدْعُو بِالحَقِّ ويَعِدُ بِهِ.
نائب رئيس فريق المراقبة أبو هاني تاريخ التسجيل: Sep 2012 المشاركات: 78, 811 جهد وتواصل مشكور ، جزاك الله خير أخي الكريم وأعانك وسدد على الخير خطاك ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
وقَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ "﴿أفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا إنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف: ٥]" كَما تَقَدَّمَ هُنالِكَ، ولَوْلا ذَلِكَ لَما ارْعَوى ضالٌّ عَنْ ضَلالِهِ ولَما نَفَعَ إرْشادُ المُرْشِدِينَ في نُفُوسِ المُخاطَبِينَ. فَجُمْلَةُ "﴿ومَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾" عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ "﴿ولَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ قالُوا هَذا سِحْرٌ﴾ [الزخرف: ٣٠]" الآيَةَ. وقَوْلُهُ ﴿ومَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ تَمْثِيلٌ لِحالِهِمْ في إظْهارِهِمْ عَدَمَ فَهْمِ القُرْآنِ كَقَوْلِهِمْ ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ﴾ [فصلت: ٥] بِحالِ مَن يَعْشُو عَنِ الشَّيْءِ الظّاهِرِ لِلْبَصَرِ. ومن يعش عن ذكر الرحمن. ويَعْشُ: مُضارِعُ عَشا كَغَزا عَشْوًا بِالواوِ، إذا نَظَرَ إلى الشَّيْءِ نَظَرًا غَيْرَ ثابِتٍ يُشْبِهُ نَظَرَ الأعْشى، وإمّا العَشا بِفَتْحِ العَيْنِ والشِّينِ فَهو اسْمُ ضَعْفِ العَيْنِ عَنْ رُؤْيَةِ الأشْياءِ، يُقالُ: عَشَيَ بِالياءِ مِثْلُ عَرَجَ إذا كانَتْ في بَصَرِهِ آفَةُ العَشا ومَصْدُرُهُ عَشىَ بِفَتْحِ العَيْنِ والقَصْرِ مِثْلُ العَرَجِ. والفِعْلُ واوِيٌّ عَشا يَعْشُو، ويُقالُ عَشِيَ يَعْشى إذا صارَ العَشا لَهُ آفَةٌ؛ لِأنَّ أفْعالَ الأدْواءِ تَأْتِي كَثِيرًا عَلى فِعْلٍ بِكَسْرِ العَيْنِ مِثْلَ مَرَضٍ.
قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} يعني الكافر يوم القيامة. وقيل: يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة؛ فيقول الكافر: { يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، كما قال تعالى: { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [سورة الرحمن: 17] ونحوه قول مقاتل. {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} - هوامير البورصة السعودية. وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لأنه قد عرف ذلك بما بعده. قال مقاتل: يتمنى الكافر أن بينهما بعد المشرق أطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة، ولذلك قال: { بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ}. وقال الفراء: أراد المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما، كما يقال: القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للكوفة والبصرة، والعصران للغداة والعصر. { فَبِئْسَ الْقَرِين} أي فبئس الصاحب أنت؛ لأنه يورده إلى النار. قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار.
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) قوله تعالى: ألم يأن للذين آمنوا أي: يقرب ويحين ، قال الشاعر: ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا وماضيه أنى - بالقصر - يأني. ويقال: آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يئين أينا أي: حان ، مثل: أنى لك وهو مقلوب منه. وأنشد ابن السكيت: ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا فجمع بين اللغتين. وقرأ الحسن " ألما يأن " وأصلها " ألم " زيدت " ما " فهي نفي لقول القائل: قد كان كذا ، و " لم " نفي لقوله: كان كذا. وفي صحيحمسلم عن ابن مسعود قال: ما كنا بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين. ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، تقول عاتبته معاتبة أن تخشع أي: تذل وتلين قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترفهوا بالمدينة ، فنزلت الآية ، ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يستبطئكم بالخشوع فقالوا عند ذلك: خشعنا.
( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} أي:بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا. فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم. فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر اللّه في الدنيا، مع قرينه، وهو الضلال والغيّ، وانقلاب الحقائق.