بعد حصار القصف وانعدام الشروط الإنسانية في المكان. لذا فإن تحولاتها النفسية أخذت تظهر في نبذ المكان وكرهه والاحتجاج عليه. • تكاد تكون شخصية حسيب؛ وهو أقدم مجنون في المكان؛ طاغية في تضاعيف النص؛ إذ يتكرر بين الفصول كعلامة بارزة يؤدي دوره بمنطق عالي المستوى! نموذج لفت نظر الخدمة المدنية. وأعتقد أن شخصية المؤلف تحضر في ثنايا هذه الشخصية المتكاملة وعياً وجنوناً في الوقت ذاته، في لعبة تبادل الأدوار بينه وبين شخصية المؤلف الواقعية. وقد يفسر البعض بأنها لعبة لاشعورية، لكنني أرى بأن هذا الالتصاق بشخصية حسيب، هو إحالة مقصودة تقف على قدر كبير من الوعي المستعاد، وقد أقصاها ميري من سلطة الجنون وأحالها الى سلطة الوعي. وأخرجها من غيبوبة الجنون وألبسها ثوب العقل والحكمة الساخرة (وهنا أبصرت حسيب وهو يحمل زوجين من الأحذية المطاطية وهو يرسم علامة النصر باتجاهي) على أساس أن اللامنطق هو الذي يتحكم بمصائر الآخرين ويقود البشرية الى الحروب والكوارث. وبتبرير أدقّ أنَّ فعل اللامنطق هو الذي جعل حسيب يتفوّه مثل الحكماء. (سؤال من أنا ؟ لا معنى له إذا كان الجميع يسأل بعضهم من أنا؟) المنزل هو (باب يكون لك حق السؤال وراءه: من الطارق؟) (الوطن هو أن تكون لك أم واحدة لملايين الأبناء) إنَّ اختفاء المؤلف لم يدفع الشخصيات القليلة المعتمدة لتأخذ مساحتها من واقع النص، فقد ظلت مكتفية بحضورها البرقي، وهي سمة النص وجزء من اقتصاده في توصيف الواقعة عبر شخصية المكان.
وان وجوده الرمزي لا ينفي وجوده الواقعي كشاهدٍ وراوٍ ومؤلف وموثق (أدبي) لهذه الكارثة المنسية في سجلات الحرب، ومن هنا فإن سيرة المكان هي الطاغية، وأن الشخصيات القليلة التي اعتمدها ميري هي من مكملات المكان وضروراته الفنية والواقعية أيضاً. وهي من مستلزمات سيرة المكان الذي ظل يتنامى وتنكشف صورته القاتمة عبر الفصول القصيرة المتلاحقة، السريعة، المتتابعة. كأنّها مونتاج سينمائي أحكم ميري على الواقعة وأنتجها ليشكل نصا له ديمومة البقاء والثبات وقوة الملاحظة وجرأة الطرح ووعي الحدث. نموذج لفت نظر للموظفين. قام النص في معماره الفني على المكان، لا بوصفه مسرحاً للحدث ـ إنما كمرجعية زمانية يراد تدوينه ثانية بالاستناد إلى الواقعة الصاروخية- السياسية التي فجّرته، فتحوّل من مكان مقصي عن البنية الاجتماعية وذاتها الرافضة له، الى زمن متراكم في الوعي الجمعي الرافض، لتنكشف (جمالياته) المتواترة التي مثّلتها أربع شخصيات قادت النص إلى مسوّغاته الفنية والأدبية. فيما توارت شخصية خامسة خلف تلك الشخصيات وخلف ظلال النص؛ لتكون مرجعية دالّة لحركة الزمن والمكان والشخصيات؛ ومرجعية ذاتية لمقومات السرد. وهي شخصية المؤلف ذاته. كونه مركزاً ضمنياً لبؤرة النص.
المدير المباشر/ ……..