أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) قوله تعالى: ألم نجعل الأرض كفاتا أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه. وقوله - عليه السلام -: قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم وقد مضى في ( البقرة) بيانه يقال: كفت الشيء أكفته: إذا جمعته وضممته ، والكفت: الضم والجمع; وأنشد سيبويه: كرام حين تنكفت الأفاعي إلى أحجارهن من الصقيع وقال أبو عبيد: كفاتا أوعية. ويقال للنحي: كفت وكفيت; لأنه يحوي اللبن ويضمه قال: فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمك في كفات وخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال: هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء. والثانية: روي عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له: لم قلت ذلك ؟ قال: إن الله - عز وجل - يقول: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا فالأرض حرز. وقد مضى هذا في سورة ( المائدة). وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المرسلات - الآية 25. وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها. وقيل: هي كفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض; إذ لا ضم في كون الناس عليها ، والضم يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه.
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وجائز أن يكون عُني بقوله: ( كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) تكفت أذاهم في حال حياتهم، وجيفهم بعد مماتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا) يقول: كِنًّا. حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا خالد، عن مسلم، عن زاذان أبي عمر، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه وجد قملة في ثوبه، فدفنها في المسجد ثم قال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا). حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا مسلم الأعور، عن زاذان، عن ربيع بن خثيم، عن عبد الله، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد، ولا أدري قال في صلاة أم لا إن شئت فألقها، وإن شئت فوارها ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا). حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن بيان، عن الشعبيّ ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا* أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
وفي مفاتيح الغيب عن تفسير القفال: أن ربيعة استدل بها على ذلك. والرواسي: جمع رأس ، أي جبالا رواسي ، أي ثوابت في الأرض قال السموأل: رسا أصله تحت الثرى وسما به إلى النجم فرع لا ينال طـويل وجمع على فواعل لوقوعه صفة لمذكر غير عاقل وهذا امتنان بخلق الجبال لأنهم كانوا يأوون إليها وينتفعون بما فيها من كلأ وشجر قال تعالى ( والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم). والشامخات: المرتفعات. وعطف ( وأسقيناكم ماء فراتا) لمناسبة ذكر الجبال لأنها تنحدر منها المياه تجري في أسافلها وهي الأودية وتقر في قرارات وحياض وبحيرات. والفرات: العذب وهو ماء المطر. وتنوين ( شامخات) و ( ماء فراتا) للتعظيم لدلالة ذلك على عظيم القدرة.