التفسير اللغوي تفسير قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)} قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ويل لكل أفاك أثيم}:الأفاك: الكذاب).
قوله تعالى: ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم. قوله تعالى: ويل لكل أفاك أثيم ويل واد في جهنم. توعد من ترك الاستدلال بآياته. والأفاك: الكذاب. والإفك الكذب. أثيم أي: مرتكب للإثم. والمراد فيما روى: النضر بن الحارث وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة. وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه. يسمع آيات الله تتلى عليه يعني آيات القرآن. ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد ، مأخوذ من صر الصرة إذا شدها. قال معناه ابن عباس وغيره. ويل لكل افاك اثيم يسمع ايات الله تتلى عليه. وقيل: أصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه. و أن من كأن مخففة من الثقيلة ، كأنه لم يسمعها ، والضمير ضمير الشأن ، كما في قوله:. كأن ظبية تعطو إلى ناظر السلم ومحل الجملة النصب ، أي: يصر مثل غير السامع. وقد تقدم في أول ( لقمان) القول في معنى هذه الآية وتقدم معنى فبشره بعذاب أليم في ( البقرة).
قلنا: كون العذاب مهينا يدل على حصول الإهانة مع العذاب ، وكونه عظيما يدل على كونه بالغا إلى أقصى الغايات في كونه ضررا. ثم قال: ( هذا هدى) أي كامل في كونه هدى ، ( والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) والرجز أشد العذاب بدلالة قوله تعالى: ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) [ البقرة: 59] ، وقوله: ( لئن كشفت عنا الرجز) [ الأعراف: 134] ، وقرئ ( أليم) بالجر والرفع ، أما الجر فتقديره: لهم عذاب من عذاب أليم ، وإذا كان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليما ، ومن رفع كان المعنى: لهم عذاب أليم ، ويكون المراد من الرجز الرجس الذي هو النجاسة ومعنى النجاسة فيه قوله: ( ويسقى من ماء صديد) [ إبراهيم: 16] ، وكان المعنى: لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس فتكون من تبيينا للعذاب.
وكلهم مشتركون في هاتين الحالتين، فمرّة هذه، وأُخرى تلك، وبناء على هذا فلا تعارض بين هذه الآية والتي قبلها. والطريف أنّها تقول أوّلاً: (وإذا علم من آياتنا شيئاً) ثمّ لا تقول: إنّه يستهزيء فيما بعد بما علم، بل تقول: إنّه يتخذ كلّ آياتنا هزواً، سواء التي علمها والتي لم يعلمها، وغاية الجهل أن ينكر الإنسان شيئاً أو يستهزيء به وهو لم يفهمه أصلاً، وهذا خير دليل على عناد أُولئك وتعصبهم. ثمّ تصف الآية عقاب هؤلاء في النهاية فتقول: (أُولئك لهم عذاب مهين) ولم لا يكون الأمر كذلك، فإنّ هؤلاء كانوا يريدون أن يضفوا على أنفسهم الهيبة والعزة والمكانة الإجتماعية من خلال الإستهزاء بآيات الله سبحانه، إلاّ أنّ الله تعالى سيجعل عقابهم تحقيرهم ومذلتهم وهوانهم، ويبتليهم بعذاب القيامة المهين المذل، فيسحبون على وجوههم مصفَّدين مكبَّلين ثمّ يرمون على تلك الحال في جهنم، ويلاحقهم مع ذلك تقريع ملائكة العذاب وسخريتهم. ويل لكل أفاك أثيم | موقع البطاقة الدعوي. ومن هنا يتّضح لماذا وصف العذاب بالأليم في الآية السابقة، وبالمهين هنا، وبالعظيم في الآية التالية، فكلّ منها يناسب نوعية جرم هؤلاء وكيفيته. وتوضح الآية التالية العذاب المهين، فتقول: (من ورائهم جهنّم). إن التعبير بالوراء مع أنّ جهنّم أمامهم وسيصلونها في المستقبل، يمكن أن يكون ناظراً إلى أنّ هؤلاء قد أقبلوا على الدنيا ونبذوا الآخرة والعذاب وراء ظهورهم، وهو تعبير مألوف، إذ يقال للإنسان إذا لم يهتم بأمر، تركه وراء ظهره، والقرآن الكريم يقول: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) ( 3).
1 - يمكن أن تكون عبادة (يسمع آيات الله) جملة مستأنفة، أو هي وصف آخر ل- (كل). 2 - ينبغي الإلتفات إلى أنّ ضمير (اتخذها) لا يعود على (شيئاً)، بل على (آياتنا). 3 - سورة الدهر، الآية 27. 4 - قال البعض أيضاً: إنّ كلمة (وراء) إنّ أضيفت إلى الفاعل أعطت معنى الوراء، وإن أضيفت إلى المفعول أعطت معنى الأمام. روح البيان، المجلد 8، صفحة 439. لكن لا دليل على هذا المدعى.