قال: فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبرًا -يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة-). هذه رواية مسلم في صحيحه. وقد فرَّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه، والتجئوا إلى الطائف، وتحصنوا بها، وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فريقًا من الصحابة، حاصروهم، وقاتلوهم حتى حسموا الأمر معهم. الحكمة من ذكر القرآن لغزوتي بدر وحنين - إسلام ويب - مركز الفتوى. وهذا الحدث وما رافقه من مجريات ووقائع، هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى، بقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين} [التوبة: 25، 26]. لقد كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباته في هذه المعركة مع قلة من الصحابة - دليلاً ناصعًا، وبرهانًا ساطعًا على عمق إيمانه بالله، وثقته بنصره وتأييده، وتحققه بأن نتيجة المعركة سوف تكون إلى جانب الحق.
والله أعلم.
وقد اعترضه في موقفه هذا دريد بن الصمة -وكان فارسًا مجربًا محنكًا، قد صقلته السنون، وخبرته الأحداث- قائلاً له: "وهل يردّ المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك، لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك: فضُحْتَ في أهلك ومالك". فسفَّه مالك رأيه، وركب رأسه، وأصر على المضيّ في خطته، لا يثنيه عن ذلك شيء. وانتهى خبر مالك وما عزم عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يجهز جيشه، ويُعِدّ عدته لمواجهة هذا الموقف. مواقيت الصلاة بدر حنين القصير. وكان مالك بن عوف قد استبق زمام المبادرة وتوجه إلى حنين، وأدخل جيشه بالليل في مضائق من ذلك الوادي، وفرّق أتباعه في الطرق والمداخل، وأصدر إليهم أمره، بأن يرشقوا المسلمين عند أول ظهور لهم، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عبّأ جيشه بالسَّحَر، وعقد الألوية والرايات، وفرّقها على الناس.. وقبْل أن يبزغ فجر ذلك اليوم، استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بما كان قد دُبِّر لهم بليلٍ. وبينما هم ينحطون على ذلك الوادي، إذا بالنبال تمطر عليهم من كل حدب وصوب، وإذا بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانهزم المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة لذلك الجمع الكبير.
ما إن نزل حكم الله عز وجل في الغنائم وكيفية توزيعها، حتى اختفى كل خلاف، وكان هذا شأن الصحابة رضوان الله عليهم في كل أمر يقطع فيه الله ورسوله بحكم.