صدرت الرواية في عهد برجنيف فلم تترك أثرًا على المستوى السياسي، على الرغم من انتشارها الواسع ليس في الاتحاد السوفييتي بل في العالم بأسره. بعد عقدين من انهيار النظام السوفييتي ما تزال روسيا مُثقلة بتاريخها الاستبدادي، ينيخ على كاهلها كالقرين، ويكبل حاضرها ومستقبلها، كما يمس بتأثيره كل الشعوب التواقة للحرية أما البرهة الثانية لبزوغ الحرية في روسيا، فقد أتت بطريقة خاطفة، في أيام غورباتشوف، قطعها يلتسين سكرتير منظمة الحزب في موسكو، الذي انتقل إلى ليبرالية جوفاء جمع فيها بين الفساد وحرية التصرف بالثروة الروسية، مستندًا إلى الأجهزة والكوادر الشيوعية نفسها بعد أن رفعها إلى مصاف الرأسماليين وطغمة الفساد. فتحولت السلطة على يديه إلى شركة مافيوية بكل معنى الكلمة، ثم أورث هذا النمط المافيوي إلى (الرئيس بوتين) سليل جهاز المخابرات كي. جي. بي. الذي تقاسم حلاوة السلطة بدوره مع زميله في (النضال) الرئيس ميدفيديف. فصار من المألوف أن تدبِّر السلطات الروسية الاغتيال لمعارضيها في الداخل والخارج كما فعلت بالمعارض ألكسندر ليتفنينكو عام 2006 في لندن، وانشغلت بتوسيع السجون للمعارضة. روسيا بوتين ومتلازمة السيطرة والاستبداد!. ولعبت دور البلطجي على جورجيا وأوكرانيا وجيرانها الآخرين، مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول وتصدير الأسلحة لأنظمة الاستبداد، وكان آخرها صفقة بأربعة مليارات دولار للقذافي، والصفقة الفضيحة مع نوري المالكي.
الأثنين8صَفر 1428هـ - 26فبراير 2007م - العدد 14126 ابن حميد لـ " الرياض": أي مسؤول في الدولة سيكون تحت طائلته الرياض - خالد العويجان: كشف رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور صالح بن حميد عن أن المجلس أنهى دراسة مشروع نظام مكافحة الاعتداء على المال العام، واساءة استخدام السلطة، وذلك في خطوة مشابهة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي أعلنها مجلس الوزراء الاسبوع الماضي. وأكد بن حميد في تصريح خاص ل "الرياض" انه تم رفع المشروع لمجلس الوزراء عقب الانتهاء من دراسته ومناقشته. مشيراً ان هذا النظام سيطال أي مسؤول في الدولة.
فمارست روسيا في الخارج سياسة تنشيط الاستبداد كنمط معبر عن سياستها في الداخل، مجددة بذلك السياسة الستالينية القديمة في إرهاب حديث أكثر فتكًا وافتراسًا، بعد أن قشرتها من جلدها الأيديولوجي. جريدة الرياض | الشورى أحال إلى مجلس الوزراء مشروع نظام مكافحة الاعتداء على المال العام وإساءة استخدام السلطة. وهكذا بعد عقدين من انهيار النظام السوفييتي ما تزال روسيا مُثقلة بتاريخها الاستبدادي، ينيخ على كاهلها كالقرين، ويكبل حاضرها ومستقبلها، كما يمس بتأثيره كل الشعوب التواقة للحرية، ويزيد سياستها هذه خطورة امتلاكها السلاح النووي، وبالتالي فإن افتقارها إلى الوجهة الواضحة تفرض على جيرانها وعلى بقية العالم شيئا من الخوف. وما تزال روسيا تنجب أناسًا يستهويهم الحكم المطلق باعتباره ضرورة للإمبراطورية، وكإشارة إلى العظمة، على الرغم من أن أكثرية الشعب: لا ترى في التوجه نحو الإمبراطورية سوى فخ الدكتاتور لترويض الشعب ليكتفي برغيف الخبز بدون حرية وكرامة!! يتساءل العرب: أين موقع روسيا من تطلعهم إلى الحرية؟ والجواب المباشر: أنها في صف الاستبداد! فعندما دقَّت ساعة الحرية والكرامة العربية عام 2011، وتقدمت الأجيال الجديدة الميادين رافعة شعار الحرية والكرامة والعدل ضد نظام الفساد والبطش، وأحيت مفهوم الشعب المتلازم مع الديمقراطية على حساب مفهوم الحزب القائد والرئيس الأبدي، لم تكذِّب روسيا التوقعات، بل وقفت عثرة أمام الشوق العربي إلى الحرية، ولم تتردد في الدفاع عن نظم الاستبداد في بلاد العرب وحولت الأرض السورية إلى بركة من الدماء والدمار والتهجير.
لذا، فعندما نشر إيليا أهرنبرغ روايته (ذوبان الثلوج) في بداية عهد خروتشوف 1954، بالغ الكثيرون في رمزيتها على احتمال انفتاح روسيا نحو الحرية لأن أحداثها وشخوصها مسَّت العهد الستاليني بقليل من النقد، وأتت قبل تقرير خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب، والذي أطلق فيه صرخة غضب على عهد ستالين، ولكنه لم يمس ولا بشعرة أسس بناء النظام الشمولي العتيد، وضاعت صرخته، أمام الركود الأبدي لعهد برجنيف، فلم تكن الأحلام التي بنيت على معاني (ذوبان الثلوج) سوى نوع من السراب أمام الجليد الراقد فوق الإنسان الروسي. تكرر التعويل نفسه على رواية (داغستان بلدي) لحمزاتوف، المصاغة بلغة شاعرية أخاذة، أحيا فيها حمزاتوف الذاكرة الوطنية الداغستانية، وأطل على ذكرى البطل الوطني (شامل)، مشددًا على أن الوطنية هي الطريق المناسب للمشاعر الإنسانية العمومية الحقة، كما رأى الناس في رواية (وداعًا غولساري) للقرغيزي، جنكيز أيتماتوف (ت2008)، رمزًا للوعد بالحرية للشعب، اعتمد فيه على بطله/ الحصان(غولساري) ليرمز فيه إلى الشعب، فبطل الرواية غوليساري يرمز إلى شعب روسيا الذي أتعبه إهمال الزمان، فلم تتردد الدولة في إخصائه عندما شاخ وترهَّل، مصورًا بذلك أخلاق السلطة تجاه الشعب، فهي ظلت تستثمره إلى أن رمته بين النفايات!!
وقد قامت روسيا القيصرية في القرنين الفائتين بدورٍ استثنائي في حماية الاستبداد، في روسيا، وعلى امتداد القارة الأوروبية، افتتحت القرن 19 بقيامها بصد اندفاعة نابليون ومعه أفكار الثورة الفرنسية التي حملها معه، ومن ثم عملت على خنق روح الثورة الديمقراطية لبولونيا، والمجر، وألمانيا، فوقفت جنبًا إلى جنب مع إمبراطورية هابسبورغ لضرب التحولات الديمقراطية في القارة الأوروبية. فجثمت القيصرية الروسية كالكابوس على صدر أوروبا طوال القرن الـ19 وفاتحة القرن الـ20. ولم يتغير هذا الدور كثيرًا في العهد السوفييتي، الذي أعاد إنتاج الاستبداد القيصري على نحو أكثر شمولًا وعمقًا. واستمرت في دعم مراكز الاستبداد من كوريا الشمالية إلى إيران، ودول الاستبداد العربية (التقدمية والممانعة)، مرورًا بفنزويلا شافيز وكوبا التي استثمر قادتها نضالهم التحرري ليبدؤوا سيطرتهم على الدولة والمجتمع، حالهم في ذلك كحال كيم إيل سونغ في كوريا، وماوتسي تونغ في الصين، وحزب جبهة التحرير في الجزائر.