تفسير قوله تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً) قال الله سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] ، هذه الآية مهمة جداً للداعية، فقد يقال له: ساحر، مجنون، شاعر، إرهابي، عميل، متحجر، لص، رجعي، ولهذا قال الله سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10] ، دع الكلاب تنبح، وأد أنت الرسالة ولا تعاتبهم، ولا تنزل إلى مستواهم في السب والشتم. إن أفضل الأمور للرد على من أعرض ومن طعن في السنة أو في القرآن هو الإعراض عنه أحياناً، فأعرض عنه الإعراض الجميل، ولا تقم له وزناً، فهو حشرة ليس له ذكر، فأراد أن يكون له ذكر، فقام يطعن في القرآن، حتى يقال: فلان طعن في القرآن، أو فلان طعن في الحجاب، أو فلان طعن في كذا، فيصبح له ذكر بين الناس فيطعن لأجل هذا الغرض، فلا تعطه غرضه واتركه وأهمله ولا تقم له اعتباراً. يقول ربنا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] ؛ لأن الله ناصرك، فأنت تتقدم وهم يتأخرون، أنت تفتح البلاد وهم يسلمون، شأنك يعلو وهم يتراجعون، لذلك اترك من يخوض في عرضك، دعه يتكلم، وأنت إلى الأمام دائماً بإذن الله عز وجل، لذلك هذه نصيحة لطالب العلم: لا تنشغل بقيل وقال، وكثرة السؤال، وقالوا وقلنا، انطلق وأنتج، وكن مسلماً، أما أن تنشغل بكلام هذا وكلام هذا فلن تتقدم خطوة.
هو مالك المشرق والمغرب لا معبود بحق إلا هو, فاعتمد عليه, وفوِّض أمورك إليه. وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) واصبر على ما يقوله المشركون فيك وفي دينك, وخالفهم في أفعالهم الباطلة, مع الإعراض عنهم, وترك الانتقام منهم. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) دعني -أيها الرسول- وهؤلاء المكذبين بآياتي أصحاب النعيم والترف في الدنيا, ومهِّلهم زمنًا قليلا بتأخير العذاب عنهم حتى يبلغ الكتاب أجله بعذابهم. إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) إن لهم عندنا في الآخرة قيودًا ثقيلة ونارًا مستعرة يُحرقون بها, وطعامًا كريهًا ينشَب في الحلوق لا يستساغ, وعذابًا موجعًا. يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14) يوم تضطرب الأرض والجبال وتتزلزل حتى تصير الجبال تَلا من الرمل سائلا متناثرًا, بعد أن كانت صُلبة جامدة. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16) إنا أرسلنا إليكم- يا أهل "مكة"- محمدًا رسولا شاهدًا عليكم بما صدر منكم من الكفر والعصيان, كما أرسلنا موسى رسولا إلى الطاغية فرعون، فكذَّب فرعون بموسى, ولم يؤمن برسالته, وعصى أمره, فأهلكناه إهلاكًا شديدًا.
وقال البيضاوى فى تفسيره: واصبر على ما يقولون من الخرافات. واهجرهم هجرا جميلا بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال: وذرنى والمكذبين دعنى وإياهم وكل أمرهم فإن بى غنية عنك فى مجازاتهم. أولى النعمة أرباب التنعم، يريد صناديد قريش. ومهلهم قليلا زمانا أو إمهالا.
وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) قوله تعالى: واصبر على ما يقولون أي من الأذى والسب والاستهزاء ، ولا تجزع من قولهم ، ولا تمتنع من دعائهم. واهجرهم هجرا جميلا أي لا تتعرض لهم ، ولا تشتغل بمكافأتهم ، فإن في ذلك ترك الدعاء إلى الله. وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم ، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك; قاله قتادة وغيره. وقال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم.
وانفتحت كل ساحات الصراع في حركة الرسالة ضد الكفر والظلم والاستكبار... وكان التحدي الرسالي سيّد الموقف، فوقف موسى(ع) الموقف القويّ الذي يستمد حيويّته وقوته من قوة الإيمان بالله. {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ولم يخضع لكل ما قدّمه إليه من بيّنات ودلائل على صدقه في الرسالة، بل استكبر وتمرّد وحاول أن يخطط للقضاء على موسى(ع) والمؤمنين معه، ويلاحقهم في محاولتهم التحرر من سيطرته للخروج من دائرة ملكه، {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} أي شديداً ثقيلاً، فغرق وجنده في البحر، وانتصر موسى(ع) عليه، وتحركت الرسالة بعيداً عن كل الضغوط الفرعونية لتبدأ عهداً مع مجتمعها الذي يحمل الكثير من العُقد والمشاكل. كيفية اتّقاء عذاب الآخرة {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} أي كيف تتخلصون من العذاب الذي أعده الله للكافرين في ذلك اليوم الذي تحتشد فيه الأهوال، وتشتد فيه المخاوف بالمستوى الذي تشيب فيه الأطفال من شدة الرعب. {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} لأن السماء تتشقق في الأجواء التي تسبق يوم القيامة، ما يوحي بشدة هذا الحدث العظيم، وقد ذكر أن تذكير الصفة بلحاظ أن كلمة السماء تُذكّر وتؤنث.
وكذلك نصيحته لولده عبدالعزيز التي مطلعها: "عبدالعزيز الليث يا سبع غابة.. ". الوقداني شاعر الأشراف - أشراف الحجاز. وبديوي ليس شاعرا نبطيا فحسب، بل شاعر فصحى أيضا وهو مبدع في كلتا الحالتين، ذلك أنه درس العربية في مكة المكرمة وتمكن من أدوات اللغة وقواعدها فاستطاع أن يضارع كبار شعراء العربية في الحجاز آنذاك. وقد وصف شاعرنا بسرعة البديهة والقدرة على ارتجال الشعر، وتذكر الرواية أن خاتم الشريف عبدالله بن محمد بن عون سقط فانصدع فصه وتكسر، فانزعج الشريف لذلك وتطير وتشاءم، وكان بجواره بديوي فقال على البديهة: لا تخشى يا ابن رسول الله من حجر رأى المكارم في كفيك فانفجرا وافاك سعدك إذ وافى السعود وقد أعطاك ربك سعدا يفلق الحجرا فسر الشريف وزال عنه الهم والشؤم. ومن أشعار بديوي في الخيل: من فوق جماح شديد القوايم وخيل إذا ما طول الركض زادت خيل جياد صافنات كرايم لو هشها الراكب مع الريح طارت أمهار تسبق طايرات الحمايم لو كان من ريح الجنوب استعارت وله هذا البيت: وانا مربى من زماني ومطواع ربتني الايام حتى تربيت وله أيضا: يا مادح الأنذال مدحك خساره وراك ما تمدح هل الفضل والجود اللي يشوفون المدايح تجاره واعراضها ما حشها علم منقود والحر دايم يحترك بالإشاره يفز مثل الزند لي قدح بارود رجال يسوى له ثمانين حاره ورجال ما يسوى ولا عظم عجرود طبع ديوان بديوي عدة مرات، ضمن المجاميع النبطية المشهورة، وما زال يحتاج إلى دراسة أوفى وأعمق.
إن الشاعر بديوي الوقداني لا شك أنه استعان بالمعنى أو أخذ المعنى من بيت حسان بن ثابت رضي الله عنه. أما القول بأن البيت (تضمين) و(تحوير) من الفصحى إلى العامية، فدعوى تحتاج إلى دليل ثابت. فاضل أحمد الحارثي - الطائف
وأول من نوّه بذكر بديوي الوقداني وكتب عنه معاصره بل هو من أصدقائه المؤرخ أحمد الحضراوي الهاشمي المتوفى العام 1327هـ -رحمه الله- في كتابه الموسوعة (نزعة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر) -الجزء الأول-، وله فضل السبق في هذه الترجمة الفريدة النادرة، وإن كانت لا تروي المتعطش لسيرة الوقداني، الجدير بالذكر أن د. فايز الحربي هو من أوائل من كشف عن هذه الترجمة لبديوي قبل أن اطلع على المطبوع فيما بعد، وله فضل السبق. وقال المؤرخ أحمد الحضراوي في كتابه المذكور عن الشاعر الوقداني: "ولد بوادي النمل -وهو محل على فرسخ من الطائف- العام 1244هـ، وتربى به، ثم سكن الطائف لتحصيل العلم والمعاش، وكان قريحة بالعربية ثم نظم القريض، ولُقِّب بشاعر الحجاز -يعني الطائف- وما علاه.
انفكت السبحة - بديوي الوقداني انفكت السبحة وضاع الخرز ضاع بغيت ألمه يا سليمان وأزريت صار الذهب قصدير والورد نعناع أنكرت ريحه مختلف يوم شميت الباب طايح والمسامير خلاع والحب فيه السوس والفار فالبيت أمسيت أكيل الرأي بالمد والصاع قست الأمور وعفتها ماتوريت لا فاقد الحيلة ولا قاصر الباع يا لله يا مولاي فيك استعزيت الذيب رزقه في مباديه الارواع وأنا برزقي في زماني تعنيت وأنا مربى من زماني ومطواع ربتني الايام حتى تربيت
يابارقا لاح يابارقا لاح في القطر اليماني بات نوه يقود دن الرعد وامطرا سريت اخيله وعيني ساهره يوم الخلايق رقود والفكر ما غيرا واوجد روحي على ايام مضت ياليتها لي تعود لو كان بالمشترا ايام زلت كما قطف الزهر مجناه من كل عود يوم الشباب اخضرا واليوم عصر الشباب اقفا وانا صدرت بعد الورود واللي ورد صدرا شوقتني ياالغزال المنتحي يا ظبي ترعى النفود يالجادل الاعفرا يابو جبين كما نور القمر والورد فوق الخدود فوق الخدود ازهرا يا مقصب الهند جابتك المراكب من بلاد الهنود جديد ومشو جرا. الاوله يالله عندما كان في يده مسدس فأصابته رصاصه في رجله من هذا المسدس فقال:الاوله يالله ياللي على الامه رقيب ياغافر الزلات تمحى الذنوب الي عليه تكتب لي الجنه ليا امسيت في قبري غريب مالي مهرج غير دود القبور العامريه وارجلي اللي ماتعدا على الحي القريب ولا توانا يوم ربعي يقولون الحميه بعض العرب تفرح ليا قالو بديوي صويب وانا احمد الله جاني صوابي من يديه يا بادع القيفان رجلك ليا شاء الله تطيب ولا يفرح الحاسد ولا يرتجي منه الشفيه ياسرع مادنا الرعد والمطر ظلا صبيب ونشوف من يغرق ومن كانت بيوته ذريه فيما مضى ظليت انا اسري واباري كل ذيب واليوم مثل الي قعد لاشداد ولا مطيه.
أول استبداي باسمك يا حنون يا كريم ما تخالفه الظنون أمرك المحفوظ في كاف ونون وأنت لي في كل مغواة دليل هيج أشواقي حمام في الغصون بات ساجع في بديعات اللحون بين تغريد وترجيع يهون ما درى إني في الهوى مثله عليل يا حمام الدوح هيجت الغرام ما سبب نوحك ومالك من مرام أعطني عهدك وخذ مني ذمام بيعني شوقك وخذ شوقي بديل إن في قلبي جروح ما تطيب ما بدت حتى يداويها طبيب.
يمثل " بديوي الوقداني " ظاهرة بالغة الخصوصية في الشعر النبطي من خلال جمعـه لموهبــة النظم الفصيح والعامي ، والمزج بين بداوة ظاهرة وحضارة لا يمكن نفيها كمـا أن أسلوبـه متأرجح من حيث القوة والضعف ولكنه في أضعف قصائده وخاصة الفصيحة منها يشف عن موهبة شعرية لا غبار عليها إضافة إلى تنوع أغراضه الشعرية فما هو متوفر لدينا قصائد في أغراض: " المدح – الهجاء – الحكمـة – الغـزل – الفكاهة – الوصف " الأمر الذي يشي بتجربة شعرية متكاملة. ومن خلال السطور القادمة سنحاول استقراء هذا الشاعر من خلال حروفه: نبدأ أولاً مع نص نادر عن بديوي جاء في كتاب " نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر " لأحمد الحضراوي الهـاشمي الذي التقى ببديوي وكتب عنه: " بديوي بن جبران بن جبر بن هنيدي بن جبـر بن صـالح بن محمد بن مسفر الوقداني السعدي – نسبة إلى بني سعـد – العتيبي ، وعتيبـة بطن من هوزان قبيلة مشهورة. نزيل الطائف المأنوس ، ولد بوادي النمـل وهو محـل على فرسخ من الطائف سنة 1244هـ ( 1829م) وتربى به ثم سكن الطائف لتحصيل العلم والمعاش ، وكانت له قريحة بالعربية ثم نظـم القريـض ولقّب بـ (شـاعر الحجاز) ، فهــو شاعـر لطيف ومغـوار غطريف.