وقوله تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، أَيْ: لا تنالون كامِلُ الجزاءِ على أعمالِكم -خيرِها وشرِّها- إلَّا يومِ القيامة، قوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}، أي: فمَن نجّاه الله من النّارِ وجَنَّبه إيّاها، وأدخلَه الجنَّة، فقد ظَفِرَ برحمةِ الله تعالى ونجا من عذابه، قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، أي: كلّ ما في هذه الحياةُ الدُّنيا مِن لذَّاتٍ وشهواتٍ مُجرَّد مُتْعٍ زائلةٍ خدّاعة لصاحبَها؛ فلا يَنبغي لعاقلٍ الرّكون إليها. اقرأ أيضا: معنى آية رب لا تذرني فردًا معنى آية كل نفس ذائقة الموت في سورة الأنبياء قال الله تعالى في سورة الأنبياء: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، وقد جاء في تفسير الطّبري تأويل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، أي: كل إنسان سيكابد غصص الموت ويتجرّع كأسه. وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، أي: وسيختبركم الله تعالى أيّها النّاس بنزول الشّرّ والشّدّة بكم ومدى صبركم على ذلك، وبحلول الخير والرّخاء بكم والسّعة والعافية، ومدى شكركم لذلك.
والدنيا دار عمل والآخرة دار حساب ، يدل على ذلك أسلوب القصر " إنما " و إنما توفون أجوركم يوم القيامة " فحين يُجمع المخلوقات " الجن والإنس " بشكل خاص في أرض المحشر ثم في أرض الحساب وتوزع الكتب على أصحابها يتخاصم الناس فيما بينهم " ثم إنكم يومئذٍ عند ربكم تختصمون " ويطالب المظلوم بحقه من الظالم ، ومِن عدلِ الله تعالى أن لا يضيع مثقال ذرة " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " ويقول سبحانه " ولا يظلم ربك أحداً " وقال القرطبي رحمه الله تعالى: فأجر المؤمن ثواب, وأجر الكافر عقاب, ولم يعتد بالنعمة والبلية في الدنيا أجرا وجزاء; لأنها عرصة الفناء. ومن جُنِّب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئم " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " وتقدم عند قوله تعالى " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ".
السؤال السؤال: نحب أن نسأل فضيلتكم عن تفسير قول اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في سورة آل عمران: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ). الاحابة الجواب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةِ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ. كل نفس ذائقة الموت ۖ ثم إلينا ترجعون. لمَّا ذكر اللهُ في هذه السورة؛ سورة آل عمران أخبار اليهود والنصارى وتعنتاتهم على أنبيائهم؛ وفي الأخير كفرهم بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتم النبيين وأمام المرسلين، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ – في: هذه الآية (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) أي أن لهم أجلٌ ينتظرهم، لا يخرجون عنه، وينقلون بعده إلى جزاءهم في الدار الاخرة، على ما قدموا من كفرٍ وتكذيبٍ وأمورٍ فظيعة فإنهم ليسوا بمفلتين، بل لهم موعدٌ ينتظرهم لابد منه، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، فلا يخرج عن هذا أحدٌ من المخلوقين. (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) يعني نجا، وليس هذا بدعاوى اليهود والنصارى وأنهم شعب الله المختار وأنهم هم أهل الإيمان، وأن من عداهم ليسوا على شئ، فهذه تمنيات تزول في هذا اليوم، حينما تواجه كلُّ نفسٍ ما قدمت!
أما بعد:- فاتقوا الله -عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، واتقوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً. عباد الله: إذا أيقنا أن مرور الأعوام وانقراض الأزمان إنما هو من أعمارنا، وأن الأيام مراحل تقربنا إلى الآخرة، فإن علينا ونحن بين عامين، بين عامٍ مضى، لا ندري ما الله صانعٌ فيه، وبين عامٍ قد أتى لا ندري ما الله قاضٍ فيه، إن علينا أن نستعد للموت وما بعده؛ وذلك بالتوبة الصادقة والإقلاع من الذنوب والتخفف من الدنيا، وكثرة ذكر الموت وزيارة القبور، والاعتبار والاتعاظ بما نرى ونسمع من أحوال الراحلين، فالموت الذي تخطانا إليهم سيتخطى غيرنا إلينا، وإن علينا أن نقف وقفة تأملٍ ومحاسبةٍ للنفوس، فإلى متى الغفلة يا عباد الله؟! إن مرور عامٍ في حياة الفرد المسلم والأمة المسلمة حدثٌ يستحق التأمل والمحاسبة، فهل نقوم بهذا الأمر، وهل نعي حقيقة الحياة ونهايتها، وهل نستقبل هذا العام الجديد بالتوبة والإنابة، والعودة الصادقة إلى ديننا، هذا ما نأمله ونرجوه، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وإني لأرجو أن تكون هذه الذكرى عهداً يأخذه كلٌ منا على نفسه وميثاقاً يعمل بمقتضاه فيما بقي من حياته، ليتحقق له الخير والفلاح في العاجل والآجل.
اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر. اللهم اجعل عامنا الجديد عام عزٍ ونصرٍ للمسلمين، اللهم اجعله عام نصرٍ للمسلمين يا رب العالمين. اللهم حرر فيه مقدساتهم، وانصرهم فيه على أعدائهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام. كل نفس ذائقة الموت - موقع صفات عباد الرحمن. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
في قوله: وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [سورة آل عمران:185] المتاع هو الشيء الذي يضمحل ويزول لا بقاء له، فالنعيم الذي يضمحل هو من قبيل المتاع، والغرور: هو الذي يتبهرج ويتزين أمام الناظرين، ومن تعاطاه، ولكنه لا حقيقة له، فكل ما غرَّ فهو من الغرور.