فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون 0 40
فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: ( فوربك لنسألنهم) وبين قوله: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) [الرحمن: 39] أجابوا عنه من وجوه: الوجه الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسألون سؤال الاستفهام; لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال التقريع يقال لهم: لم فعلتم كذا ؟ ولقائل أن يقول: هذا الجواب ضعيف; لأنه لو كان المراد من قوله: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) سؤال الاستفهام لما كان في تخصيص هذا النفي بقوله يومئذ فائدة; لأن مثل هذا السؤال على الله تعالى محال في كل الأوقات. الباحث القرآني. والوجه الثاني: في الجواب أن يصرف النفي إلى بعض الأوقات ، والإثبات إلى وقت آخر; لأن يوم القيامة يوم طويل. ولقائل أن يقول: قوله: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) هذا تصريح بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم ، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء ذلك اليوم لحصل التناقض. والوجه الثالث: أن نقول: قوله: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) [الرحمن: 39] يفيد عموم النفي وقوله: ( فوربك لنسألنهم أجمعين) عائد إلى المقتسمين وهذا خاص ولا شك أن الخاص مقدم على العام. أما قوله: ( فاصدع بما تؤمر) فاعلم أن معنى الصدع في اللغة الشق والفصل ، وأنشد ابن السكيت لجرير: هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم بالحق يصدع ما في قوله حيف فقال يصدع يفصل ، وتصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه قوله تعالى: ( يومئذ يصدعون) قال الفراء: يتفرقون.
فإن قيل: فقد قال - تعالى -: ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقال: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وقال: ولا يكلمهم الله ، وقال: إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. قلنا: القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك فيه. قال عكرمة: القيامة مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. وقال ابن عباس: ( لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا; لأن الله عالم بكل شيء ، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه ؟ واعتمد قطرب هذا القول. وقيل: لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين; بيانه قوله - تعالى -: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم. والقول بالعموم أولى كما ذكر. والله أعلم. الطبرى: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عِضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، فيما أمرناهم به ، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنـزلته إليهم ، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان.. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحجر - الآية 92. وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن بشير، عن أنس، في قوله (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال: عن شهادة أن لا اله إلا الله.
تاريخ الإضافة: 5/2/2018 ميلادي - 20/5/1439 هجري الزيارات: 101075 ♦ الآيتان: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾. ♦ السورة ورقما الآيتين: الحجر (92، 93). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ عما كانوا يعملون ﴾ أَيْ: يفترون من القول في القرآن يريد: لنسألنَّهم سؤال توبيخٍ وتقريعٍ. فوربك لنسألنهم أجمعين. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ (92)، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ﴿ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (93) فِي الدُّنْيَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ عِدَّةٌ مِنْ أهل العلم: عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 39]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ وَاعْتَمَدَهُ قُطْرُبُ فَقَالَ: السُّؤَالُ ضَرْبَانِ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَسُؤَالُ تَوْبِيخٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 39]، يعني: استعلاما.