تاريخ النشر: ٢١ / صفر / ١٤٣٠ مرات الإستماع: 3109 مقدمة باب كراهية تمني الموت لا يتمنَّ أحدكم الموت إما محسنًأ لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا باب "كراهية تمني الموت بسبب ضر نزل به، ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين". لمّا ذكر المصنف -رحمه الله- في الأبواب السابقة: طول الأمل، وذكر الموت أيضاً، ثم ذكر بعد ذلك أيضاً ما يتصل بزيارة القبور، وما يحصل بها من الاتعاظ والاعتبار. هنا تحدث عن تمني الموت، فإذا سمع الإنسان تلك الأحاديث والنصوص، فإنه قد يحمله ذلك على شيء من الانتقال إلى الطرف الآخر. فالطرف الأول: هو أن يطول أمل الإنسان في الدنيا ويتعلق بها، ويُبعِد الموت. لا يتمنين أحدكم الموت. والطرف الآخر: هو ذاك الذي يتمنى الموت ويطلبه، فهذا باب كراهية تمني الموت بسبب ضر نزل به. قال: ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين. حديث أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا يتمنَّ أحدكم الموت، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب [1]. يعني: أن حاله لا تخلو إما أن يكون محسناً فلعله يزداد من الإحسان، خيركم من طال عمره، وحسن عمله [2]. وإما مسيئاً فلعله يستعتب يعني: يرجع ويتوب. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيراً [3].
قال علي ابن المديني: كان آخر الصحابة موتاً بالبصرة. شرح حديث: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه. 2 المعنى العام للحديث: فضيلة الصبر معروفة والثواب عليها عظيم وقد مدح الله الصابرين في آيات كثيرة من كتابه المبين وأثنى عليهم بقوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (156-157) سورة البقرة. وفي عدة الصابرين لابن القيم -رحمه الله- قال في الصبر: هو خلق فاضل من أخلاق النفس يُمتنع به من فعل ما لا يَحسُن، ولا يَجمُل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها، وسئل عنه الجنيد بن محمد فقال: تجرع المرارة من غير تعبس. وقال ذو النون: هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغني مع حلول الفقر بساحات المعيشة. 3 والحديث دليل على النهي عن تمني الموت للوقوع في بلاء، ومحنة، أو خشية ذلك من عدو، أو مرض، أو فاقة، أو نحوها من مشاق الدنيا؛ لما في ذلك من الجزع، وعدم الصبر على القضاء، وعدم الرضا وفي قوله: ( لضر نزل به) ما يرشد إلى أنه إذا كان لغير ذلك من خوف، أو فتنة في الدين فإنه لا بأس به، وقد دل له حديث الدعاء ( إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) أو كان تمنيا للشهادة كما وقع ذلك لعبد الله بن رواحة وغيره من السلف، وكما في قول مريم:{ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} (23) سورة مريم.
لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها ، وفي جميع ما يتوسل به إليها. وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الأمر بها; فإن العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو استحباب ، وبعض الأمور المعينة التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها ، فإنه يتوقف حتى يتضح له الأمر فيها. حديث: لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد. واستثنى كثير من أهل العلم من هذا، جواز تمني الموت خوفا من الفتنة، وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها { يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} مريم23... كتاب: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (ص156) للشيخ عبد الرحمن السعدي [size=16]( بتصرف)
وقد جاء في الحديث القدسي: " مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا مني حتى يلقاني وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ مني حتى يلقاني ". * * *
الضرر المراد في الحديث إنما هو الضر الدنيوي من مرض، أو فاقة، أو محنة من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا. الآجال مقدرة لا يزداد فيها، ولا ينقص منها، فما الذي يؤثر تمني الموت في ذلك؟ فتمني الموت لضر دنيوي عبث لا فائدة فيه، لما فيه من مراغمة المقدور، وعدم الرضا به مع ما سبق من كون المؤمن لا يزيده عمره إلا خيراً. قوله -صلَّ الله عليه وسلم- (فإن كان لا بد متمنيا…) ليس المراد بهذا الأمر استحباب الدعاء به لهذا، بل تركه أفضل من الدعاء به، فأنه رتب الأمر به على كون المتمني لا بد أن يقع منه صورة تمن، مع نهيه أولاً عن ذلك. 4. الضر الديني: هو خوف الفتنة في الدين، فالظاهر أنه لا بأس معه بالدعاء بالموت، وتمنيه، ويدل لذلك قوله في حديث أبي هريرة: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وليس به الدين إلا البلاء). 11 5. لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به. إن تمني الموت والدعاء به انقطاع الأعمال، ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة الأعمال، ولو لم يكن إلا استمرار الإيمان فأي عمل أعظم منه، وقد قال النبي -صلَّ الله عليه وسلم- لما سُئل عن أفضل الأعمال قال: (إيمان بالله) فبدأ به، فإن قيل: قد يسلب الإيمان بالله، والعياذ بالله. قلنا: إن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوع ذلك طال عمره أو قصر، وإن سبقت له السعادة فزيادة عمره زيادة في حسناته، ورفع في درجاته كثرت أو قلت.