وهكذا ادعوا أن داء السرقة في بنيامين قد سبقه إليه شقيق له من قبل، وقالوا ذلك في مجال تبرئة أنفسهم، وهكذا وضحت ملامح العداوة منهم تجاه يوسف وأخيه. وقولهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.. "77"} (سورة يوسف) يسمى في اللغة قضية شرطية. ومعنى القضية الشرطية؛ أن حدثاً يقع بسبب حدث وقع قبله، فهناك حدث يحدث وحده، وهناك حدث يحدث بشرط أن يحدث قبله حدث آخر. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة يوسف - الآية 77. ومثال هذا هو قولك لتلميذ: إن تذاكر دروسك تنجح، وهنا حدثان، المذاكرة والنجاح، فكأن حدوث النجاح الشرط فيه حدوث المذاكرة، ولابد أن يحدث الشرط أولاً؛ ثم يحدث الحدث الثاني، وهو هنا قولهم: {فقد سرق أخ له من قبل.. "77"} كتعليل لسرقة بنيامين. والمثل من القرآن أيضاً: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك.. "184"} (سورة آل عمران) فكأن الله يوضح للرسول صلى الله عليه وسلم: إن كذبوك الآن فيما تنقل لهم من أخبار السماء؛ فلا تحزن ولا تبتئس؛ فهذا التكذيب ظاهرة عانى منها كل الرسل السابقين لك؛ لأنهم يجيئون بما ينكره المرسل إليهم أولاً، فلابد أن يكذبوا، وهكذا يستقيم الشرط، لأن الحق سبحانه هنا قد عدل بالشيء عن سببه، فكان جواب الشرط بعد الزمان الذي حدث فيه الشرط. وهنا قال الحق سبحانه: أي: لا تعجب يا عزيز مصر؛ لأن هذه خصلة في أولاد راحيل، قالوا ذلك وهم يجهلون أنهم يتحدثون إلى يوسف ابن راحيل!!
وقد وصل المعنى من خلال انفعال يوسف. وقوله: {والله أعلم بما تصفون "77"} أي: أنه سبحانه أعلم بما تنعتون، وتظهرون العلامات والسمات، وغلبت كلمة "تصفون" على الكلام. ومثال هذا هو قول الحق سبحانه: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام.. "116"} (سورة النحل) أي: أن ما تقولونه يوحي من تلقاء نفسه أنه كذب، وهكذا نعرف أن كلمة "تصف" وكلمة "تصفون" غلب في استعمالهما للكلام الذي يحمل معه دليل كذبه. ويأتي الحق سبحانه بما جاء على ألسنتهم بعد ذلك: