أى أنه كانت توجد أخلاق بالجاهلية وعصر ما قبل النبوة، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليكملها ويؤكد عليها. إذاً فالجميل سوف يظل جميلاً، وأيضاً القبيح سوف يظل قبيحاً. كما أنه قال إن رأيت من على غير ملتك وبه خصال جميلة فبإمكانك أن تعجب به. كما الترحم فلا بد أن نفرق بين أمرين وهما كالتالي: أن الله عز وجل أخذ على نفسه أنه لا يغفر لمن توفى على الشرك، ومن ثم طلب المغفرة ليس مشروع. لكن من طلب الرحمة هو شئ أخر، إذ أن الرحمة أوسع من المغفرة. كما أن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم نص العلماء أنها تنال جميع الخلائق بالدنيا والأخرة. هل يجوز الترحم على غير المسلم. كذلك أنها بالأخرة تفزع الأمة للنبى لطلب الشفاعة مؤمنهم وكافرهم. بعدها يشفع بالأمم للتخفيف عنها، وبالتالى المنهى عنه الاستغفار، لكن الرحمة بالمعنى الأوسع والأعم ليست كذلك. كما أنه قال إن الترحم على غير المسلم الذى عرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة. كذلك أنه لا يعادى الإسلام ولا يحاربه، فإن رغب المسلم في أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام، فذلك جائز.
وفي الوقت الذي يتحرَّج فيه مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة من الترحم على الملحدين باعتبارهم غير مسلمين[4]، فإنه لا يجد غضاضة في الترحم على غير المسلمين، وينقل عن الشيخ محمد الفحام، شيخ الأزهر الأسبق، ترحُّمه على بطريرك الكرازة المرقسية البابا كيرلس السادس، ثم اتهم هؤلاء الذين يرفضون الترحم على غير المسلمين بأنهم "عبط". ولا يبتعد الحبيب علي الجفري الذي يُفضِّله النظام المصري في مخاطبة جموع ضباط والعساكر، ولا أسامة الأزهري المستشار الديني للرئيس، كثيرا عن علي جمعة، فكلاهما يتفقان حول جواز الدعاء لغير المسلم، ويقولان إن الرحمة تجوز إذا كانت من منطلق العُرف وكلام الناس العادي، بدون اعتبار الحكم الشرعي للمسألة[5]. الشيخ على جمعة : الترحم على غير المسلم جائز شرعا. وهو ذاته ما يذهب إليه مستشار مفتي الجمهورية مجدي عاشور، الذي يرفض عدم الترحم، ويقول إن الترحم ممكن على أي شخص، لأننا لا نعرف ما ينطوي عليه قلبه من إيمان حينما مات، وهذا هو موقف دار الإفتاء المصرية، القريبة من توجُّهات المزاج الديني الرسمي، التي تُفتي تصريحا بجواز الترحم على غير المسلمين[6]. بمرور الوقت، تسبَّبت هذه الآراء في تغيير المزاج العام الذي طالما كان مُتقبِّلا لفكرة الحدود بين الأديان، والفصل بين الحقوق المدنية والقضائية وبين الاعتقادات الدينية، فصار الاعتقاد بكُفر الملحد المُجاهر بإلحاده أو غير المسلم أمرا مرفوضا.
حيث أن الله عز وجل علمنا بكتابه العزيز على من تنالهم رحمة الله عز وجل. لقد قال الله سبحانه وتعالى بكتابه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}. إذاً فليس جائز الترحم على الرجل النصراني إن مات على النصرانية عقب بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أنه إن كان المسلم حريصاً على صديقه النصراني أن يكون من المرحومين عند الله عز وجل لدعاه للإسلام. كما أنه حاوره لكي يدخل بدين الله سبحانه وتعالى، والمسلم لا يجب أن يكون عاطفياً في تلك المواقف. لأن حسنات العبد الكافر إن وجدت منه فهي هباء منثور، وهذا لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}. دعاء الترحم على الملحدين وغير المسلمين بين السياسة والتدين – العمق المغربي. هذا، والله تعالى أعلم. هل يجوز الترحم على غير المسلم دار الإفتاء هذا السؤال قد أجاب عنه خلال البث المباشر، د. أحمد ممدوح، وهو تمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية. أن الإعجاب بسمات شخصية بدون ملته، كالكرم أو الذكاء والنظام، وكل السمات والخصال الطيبة لا تكون حكراً على المؤمنين. كما أنها لا تكون صادرة من المسلمين فحسب، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وإضافة إلى تلك الهشاشة التي تسكن الخطاب التنويري، هناك منطق الصراع، حيث يرى اللا دينيون أحيانا أن الموت فرصة لصدمة الأغلبية في أفكارهم الدينية، وكذلك مساحة مُثلى لإظهار خصومهم أعداء لفكرة التسامح وقبول الآخر، خاصة أن في أجواء الاستقطاب المسيطرة، والامتزاج الإجباري بين الفضاءين السياسي والديني، فإن الكثير من النشطاء الإسلاميين يتعاملون مع قضية الترحم والمصير الأخروي بوصفها سلاحا مضادا يوظِّفونه للاغتيال المعنوي والتشهير الديني والسياسي بخصومهم. يعتبر الكثير من الإسلاميين، ومعهم بعض الجماهير المتدينة، موت بعض اللا دينيين أو منتقدي الفكر الديني فرصة مثالية للحساب، بل إن بعضهم يرى أن دورهم قد حان لإفساد آخرة هؤلاء الخصوم، كما أفسدوا عليهم دُنياهم بتأييد القمع والاعتقال، لذا يتجيَّش الكثير من الإسلاميين وراء حديث "أنتم شهود الله في الأرض"، وتتسارع التعبئة الإسلامية عند لحظة إعلان وفاة أحد خصومهم، فيملؤهم الرجاء بأن تسهم شهادتهم على منصات التواصل الاجتماعي في إرساء مستقبل أخروي مُعتم لخصومهم. تتعمَّق الأزمة أكثر وأكثر إذن بفعل ذلك الصراع السياسي الدائر الآن بين الإسلاميين وخصومهم، خاصة في ظل تحالف القوى العلمانية الأكثر تطرفا مع الأنظمة الاستبدادية، وهو ما جعل "تحديد المصير الأخروي" لدى طرفَيْ النزاع جزءا لا يتجزأ من الصراع السياسي.
وسرعان ما وجدت هذه الآراء الجديدة طريقها لشرائح من الشباب العربي، خصوصا أننا نعيش بحسب أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط آصف بيات في مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي"، حيث تقزَّمت الحركات الإسلامية كافة وحُجِّمَ ما تبقى منها إلى مساحات ضيقة لا تؤثر في المجال العام، وقد أُعيد تعريف الإسلام في المجال العام حتى صار يُركِّز على الحقوق الإنسانية لا على الواجبات الإسلامية[7]. وقد ساهمت السلطات في المنطقة العربية في دعم تلك الاتجاهات التي تقوم على تنقيح الإسلام وتقديم نسخة أكثر تسامحا منه بحسب رؤيتهم، وهي رؤية منزوعة المضمون الكفاحي والعقدي بحسب معارضيها. الإلحاد الوسطي الجميل! في الحقيقة، تُشير سرادقات العزاء الإسلامية والمراسم اللا دينية للموتى الملحدين الكثير من التساؤلات حول التناقضات العميقة في الخطاب التنويري المصري. يذهب البعض إلى تفسير ذلك بأننا أمام نوع من الإلحاد القلِق والهش، إلحاد ينزعج أصحابه بشدة إذا شاع عنهم أنهم مارقون من الدين. ويبدو أنه على العكس من الجرأة الناقدة التي يُظهرها الخطاب الإلحادي أمام الحقائق الدينية، فإنه يظهر هشا وضعيفا أمام الحقائق الوجودية الكبرى مثل الروح والموت ولقاء الله.