وإذا كانت الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} غير منسوخة وغير قابلة للنسخ، فهي أيضا غير مخصصة وغير قابلة للتخصيص. وأقل ما يقال في هذا المقام، هو أن الآية جاءت بصيغة صريحة من صيغ العموم، فلا يمكن تخصيصها إلا بدليل مكافئ ثبوتا ودلالة. قال العلامة ابن عاشور: "وجيء بنفي الجنس [لا إكراه]، لقصد العموم نصا، وهي (أي الآية) دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه…".
قوله تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم قوله تعالى: لا إكراه في الدين فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: لا إكراه في الدين الدين في هذه الآية المعتقد والملة بقرينة قوله: قد تبين الرشد من الغي. والإكراه الذي في الأحكام من الإيمان والبيوع والهبات وغيرها ليس هذا موضعه ، وإنما يجيء في تفسير قوله: إلا من أكره. وقرأ أبو عبد الرحمن " قد تبين الرشد من الغي " وكذا روي عن الحسن والشعبي ، يقال: رشد يرشد رشدا ، ورشد يرشد رشدا: إذا بلغ ما يحب. وغوى ضده ، عن النحاس. وحكى ابن عطية عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ " الرشاد " بالألف. لا تعارض بين الآية : ( لا إكراه في الدين ) وبين الأحاديث الدالة على قتل المرتد - الإسلام سؤال وجواب. وروي عن الحسن أيضا " الرشد " بضم الراء والشين. " الغي " مصدر من غوى يغوي إذا ضل في معتقد أو رأي ، ولا يقال الغي في الضلال على الإطلاق. الثانية: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أقوال: ( الأول) قيل إنها منسوخة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، قاله سليمان بن موسى ، قال: نسختها يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين.
قال تعالى: (لا إكراه في الدين) البقرة: 256 من الآيات التي ذهب بعض المفسرين إلى القول بنسخها، الآية الكريمة: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} مع أن الآية تقرر قضية كلية قاطعة، وحقيقة جلية ساطعة، وهي أن الدين لا يكون ـ ولا يمكن أن يكون ـ بالإكراه. فالدين إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه ينقض كل هذا ويتناقض معه. فالدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين. لا اكراه في الدين ترجمه فارسي. فالإكراه لا ينتج دينا، وإن كان قد ينتج نفاقا وكذبا وخداعا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة. وكما أن الإكراه لا ينشئ دينا ولا إيمانا، فإنه كذلك لا ينشئ كفرا ولا ردة، فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وهكذا فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم. ولن يكون أحد مؤمنا مسلما إلا بالرضا الحقيقي: "رضيتُ بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا". وإذا كان الإكراه باطلا حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجا ولا طلاقا، ولا بيعا، ولا بيعة، فكيف يمكنه أن ينشئ دينا وعقيدة وإيمانا وإسلاما؟!.
رغم كون ربنا عز وجل قال لا إكراه في الدين، إلا إن البعض يعتقد أنه يمكن إسلام المرء تحت ضغط إكراه المجتمع، أو بعبارة أخرى يمكن أن يسلم المرء تقليداً للمجتمع الذي تربى فيه.
هذا حاصل أقوال المتقدمين في الجمع بين هذه الآيات؛ والواقع فإن الناظر في كتب التفسير المتقدمة عمومًا، يجد أن المفسرين لم يخرجوا عن هذين القولين، في الأغلب، ورجَّح أكثرهم القول بأن آية البقرة خاصة بأهل الكتاب ومن شاكلهم. وإن كان ثمة من ملاحظة نبديها على هذا المسلك، فهي أن نقول: إن القول بالتخصيص هنا لا يرفع التعارض الواقع بين الآيات موضوع الحديث، ناهيك على أن القاعدة التفسيرية تقرر: أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته................... [1] سورة البقرة الآية 256. [2] سورة التوبة الآية 29. [3] سورة التوبة الآية 5. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن. __________________ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى. 03-02-2011, 02:56 PM # 2 عضو متألق المشاركات: 472 معدل تقييم المستوى: 12 كل الشكر والتقدير لك على الموضوع الرائع..... وجزاك الله عنا كل الخير.. ثق أننا بانتظار المزيد منك... تحياتى... 03-02-2011, 03:14 PM # 3 بارك الله فيك وعليك أخي الكريم mhoso على مرورك الكريم 03-02-2011, 03:15 PM # 4 مؤسس شبكة الكعبة والمشرف العام تاريخ التسجيل: Sep 2010 المشاركات: 7, 275 معدل تقييم المستوى: 10 بارك الله فيك اخى ابو عادل 03-02-2011, 03:18 PM # 5 أشكر admin على مرورها الراقي والرائع. الجمع بين: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} و«الطاعة في المنشط والمكره». 09-15-2015, 05:50 PM # 6 تاريخ التسجيل: Sep 2015 المشاركات: 2, 979 معدل تقييم المستوى: 9 رد: تفسير قوله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ... الآية.
فالشخص قد يتنقص جناب الرب -سبحانه- باسم حرية الرأي والفكر، وقد يسخر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفس الحجة، وقد يتنقص أحكام الإسلام وتعاليمه باسم الحرية، وقد يزني ويقول: أنا حر! ويسرق ويختلس ويأكل الربا ويقول: أنا حر!. بل نتج عن هذا المعتقدِ العفن قسوةُ القلوب، والتمرُّدُ على الوالدين باسم الحرية الشخصية والاستقلالية, وتمرد الزوجة على زوجها باسم الحرية والمساواة وعدم فرض الرأي. كل ذلك حرباً على الإسلام وأهله, ونقلاً للناسِ من دين الإسلام الذي أعز الله به أهلَه, إلى دين الغرب والحياةِ التي تأنف منها بهيمة الأنعام فضلا عن البشر, فيخرج جيل لا يدين بدين الإسلام, ولا يعرف طريق الإيمان، ولا يعرف لِلْعفةِ وزنا، ولا للبِرِّ وصلةِ الرحمِ طريقا. النص التطبيقي لا إكراه في الدين. جيلٌ يعيش على الأنانية والضياع باسم الحريةِ التي هي السفول والانحطاط, فإن الحرية الحَقَّة هي الإيمان والعمل الصالح, ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين:5-6]. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا ذا الجلال والإكرام.