قال الإمام الشافعي: (ذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله). وذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد بالحكمة في هذه الآيات هو السنة. 05 من حديث: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه..). وعلى هذا القول يكون الله عز وجل قد نص في الكتاب الكريم على وجوب العمل بالسنة، كما نص في آيات أخرى على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل هذا يؤكد على وجوب الاعتداد بالسنة الشريفة، وعلى عدها مصدراً من مصادر التشريع في الإسلام، بل هي المصدر التشريعي الثاني في الإسلام. عصمة من الضياع ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تحض على وجوب العمل بالسنة، والالتزام بها، والترهيب من التساهل فيها، أو الإعراض عنها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي» قال الحافظ بن عبد البر: «هذا محفوظ معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد» وحدثنا البغوي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد خلفت فيكم اثنتين لن تضلوا بعدهما أبداً: كتاب الله وسنتي».
واختلف أهل العلم في الذي عنى بهذه الآية من الألوان، فقال بعضهم: عني بذلك الجزية والخراج.
قال الخطابي: "وفي الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يُعْرَضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقَه فخُذوه، وإن خالفه فدعوه، فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة". والنبي صلى الله عليه وسلم له من الأوامر والنواهي التي ليس لها ذِكر في كتاب الله عزّ وجلّ الكثير، وهي أكثر من أن تحصى، والمسلم مأمور بطاعته صلى الله عليه وسلم فيها كالتزامه بطاعة الله، ومنها على سبيل المثال في الصلوات: تشريع صلاة (الاستسقاء، والجنازة، وصلاة العيدين، وسجود الشكر)، وفي الزكاة: (زكاة الفطر وغيرها من زكوات)، وفيما يحرم لبسه: (تحريم الذهب والفضة على الرجال)، وفيما يتعلق بآداب الطعام والشراب وتحريم الأكل في آنية الذهب والفضة، كما أن في السُنة: الأمر بحضور الجماعات، وتغسيل الميت، وتكفينه ودفنه، وغير ذلك من أمور جاءت بها السُنَّة النبوية ولم ترِدْ في كتاب الله عز وجل.
[٦] [٧] ثمرات اتّباع السنة النبوية أمر الله -تعالى- باتّباع سنة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وجعل اتّباع السنة الشّريفة من اتّباع القرآن الكريم ، حيث إنّ من ثمرات اتّباع السنة النبوية: [٨] الوصول إلى محبّة الله تعالى، فاتّباع السنّة سبيل للتقرّب إليه، وقال ابن القيّم -رحمه الله- في ذلك: (ولا يحبك الله إلّا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً، وصدّقته خبراً، وأطعته أمراً، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعاً، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنّ، وارجع من حيث شئت، فالتمس نوراً فلست على شيء). نيل معيّة الله تعالى. إجابة الدّعاء، فمَن تقرّب إلى الله -تعالى- بالنّوافل نال محبّته، ومن نال المحبّة نال إجابة الدّعاء ، وممّا يؤكّد ذلك قول الله -تعالى- في الحديث القدسي الصحيح: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الذي يسمَعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه) ، [٩] فكلّ الرّفعة والمكان العظيم عند الله -تعالى- يبلغه المسلم باتّباع سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.