لكن هل يعني هذا أن يقصر الأولاد في حق الآباء, ليس هذا صحيحاً؛ فإن الأب سبب في وجود الأبناء والبنات في الحياة, الأب شمس الحياة, ومبعث الاستقرار, والأب ملاذ الأولاد بعد الله, والأب سبب في الإنفاق والرعاية منذ الطفولة, ويعلم الأب الأبناء قسوة الحياة حتى يبني الأبناء أنفسهم ويواجهوا مصاعب الحياة, وبالتالي يتعلمون الصبر ومواجهة الحياة. والأب تراه يعمل ويكدح من أجل تحقيق حياة آمنة للأسرة, فالأب مدرسة للأولاد في خبرته في الحياة, وقد يكون قاسياً بعض الشيء لكن لأجل مصلحة الأبناء مستقبلا, فالمدلل يتعب إن لم يتربَ على تعلم متاعب الحياة. من حقوق الابناء على الاباء. والأب مصدر القوة والأمان لأولاده الصغار, وهو مصدر للأنس والبركة لأولاده الكبار؛ ولذلك فإن اليتيم من الأولاد يكون بموت الأب قبل بلوغهم, وليس بموت الأم مما يدل على أهمية الأب. عباد الله: من حقوق الوالدين: الإحسان إليهما, بأن تتلطف لهما في الكلام, وتجتهد في خدمتهما, ويحرم أن تتأفف وتتذمر منهما, قال -تعالى-: ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23، 24], وهذه الآية واضحة في تحديد معالم حق الوالدين في التعامل معهم.
الخُطْبَةُ الأُولَى: الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71]. لا حقَّ على الإنسان أعظم وأكبر بعد حق الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من حقوق الوالدين؛ حيث أوجب الله الإحسان للوالدين بأقوى صيغة وأبلغ عبارة, وقرنه بتوحيده؛ فقال: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23], وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟, قال: " الصلاة على وقتها ", قال: ثم أي؟, قال: " بر الوالدين ", قال: ثم أي؟, قال: " الجهاد في سبيل الله". حقوق الابناء على الاباء في الاسلام. لذلك فإن الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كثيرة في وجوب بر الوالدين وتحريم عقوقهما, والأم حقها أعظم من الأب, ولن يستطيع الأبناء والبنات أن يعيدوا حق الأم مهما اجتهدوا في برها, فلها ثلاثة أرباع الحق؛ حيث سأل سائل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟, قال: " أمك ", قال: ثم من؟, قال: " أمك ", قال: ثم من؟, قال: " أمك ", قال: ثم من؟, قال: " أبوك "(رواه مسلم).
13 يونيو، 2018 نسخة للطباعة راعت الشريعة المطهرة علاقة ذوي القربى وأكدت على ضرورة حسن التعامل فيما بينهم، وخصت بالذكر علاقة الآباء بالأبناء، حتى تظل الأسرة متماسكة متآلفة يقوم كل فرد بحقه وواجبه، ولا يغفل له الآخرون ما له من حقوق، ذلك لأن الأب والأم هما حجر الأساس في بناء الأسرة، فهما سبب لوجود الإنسان.
فقد عققته قبل أن يعقك اهـ. وقال الدكتور محمد الزحيلي في كتاب حقوق الأولاد على الوالدين في الشريعة الإسلامية: قال بعض أهل العلم: (إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائه ، قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} [الإسراء: 31] وقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء: 11] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف" اهـ. ومن وصاية الشريعة بالأبناء وبيان مجمل حقوقهم ومسئولية الآباء عنهم، قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني. حقوق الأبناء على الآباء. وقال صلى الله عليه وسلم: ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة. متفق عليه.
وفي النهاية.. انطلاقًا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) ننصح الآباء بالامتثال لأمر الله وأداء واجباتهم تجاه فلذات أكبادهم رغبةً وحبًا لهم وحرصًا على مصالحهم، وذلك بتغيير الطرائق التقليدية المتبعة في التربية، وتطبيق النصائح التي تطرقنا إليها.
إن للأبناء على الآباء حقوقًا كثيرة، فهم فلذات الأكباد وقُرَّة الأعين، ومن هذه الحقوق: 1- أن يحسن الأب اختيار الأم؛ لأنه لن توجد ذرية صالحة إلا من زوجة صالحة، ويبيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المعالم التي تختار المرأة زوجة من خلالها في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تُنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها، ولجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك))؛ رواه البخاري. فالمرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وهي التي تعين زوجها على طاعة الله - جل وعلا - وهي خير عون له على أمر دينه ودنياه. وهي التي تربي أولادها على الصدق والأمانة، والعفة والعزة، وهي التي تعرف واجبها تجاه ربِّها، وواجبها تجاه زوجها، وواجبها تجاه أولادها وبيتها، وواجبها تجاه دينها ودعوتها، وواجبها تجاه مجتمعها الذي تعيش فيه، وأنها لا بد أن تكون نافعة له فتؤدي كل ما عليها بانضباط وانتظام، ودون إفراط أو تفريط، فإذا فعلت ذلك، كانت عاقبتها عند الله عظيمة طيبة؛ عن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صلَّت المرأة خَمْسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))؛ رواه أحمد.