لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي اضغط هنا ملف نصّي نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة ، والفراغ رواه البخاري بالضغط على هذا الزر.. سيتم نسخ النص إلى الحافظة.. حيث يمكنك مشاركته من خلال استعمال الأمر ـ " لصق " ـ
الفائدة الثالثة: من النماذج الحسنة في استثمار الوقت تلك الكلمة التي قالها شيخ الحنابلة في وقته أبو الوفاء علي بن عقيل - رحمه الله - لتكون نبراسًا لذوي الهمم العالية، وتقويةً لعزيمة أصحاب الهمم الفاترة؛ يقول مخبرًا عن نفسه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرحٌ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره [4] ؛ اهـ؛ ولذلك لما احتُضِر هذا الإمام بكى النساء، فقال: قد وقَّعْتُ عنه خمسين سنة (يعني أنه كان يعلِّم الناس دين الله، ويفتيهم فيه، ويرشدهم إليه)، فدعوني أتهنأ بلقائه [5]. [1] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة 5/ 1357 (6049). نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس يعيشون طويلا في الماضي. [2] رواه ابن أبي شيبة 7/ 108 (34562)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 130، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 103. [3] رواه الترمذي 4/ 612 (2417) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (946)، وصحيح الجامع (7300)، وصحيح الترغيب والترهيب (126). [4] شذرات الذهب 4/ 37. [5] المرجع السابق 4/ 39.
وفي هذا الحَديثِ إشارةٌ إلى أنَّ الإنسانَ لا يَتفَرَّغُ لِلطَّاعةِ إلَّا إذا كان مَكْفيًّا، صَحيحَ البَدَنِ؛ فقدْ يَكونُ مُستَغنيًا ولا يَكونُ صَحيحًا، وقدْ يَكونُ صَحيحًا ولا يَكونُ مُستَغنيًا، فلا يَكونُ مُتفَرِّغًا لِلعِلمِ والعَمَلِ؛ لِشُغُلِه بالكَسبِ، فمَن حَصَلَ له الأمرانِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ، وكَسِلَ عنِ الطَّاعاتِ؛ فهو المَغبونُ الخاسِرُ في تِجارَتِه! وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في استغلالِ النِّعمِ مِن صِحَّةٍ وفراغٍ وغيْرِهما، والاستفادةُ منهما فيما يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالَى.
وإنّ على من يسمع قول نبي الله -صلوات الله وسلامه عليه- في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ". إن على من يسمع هذا البيان النبوي الكريم أن لا يُغْمِض الأجفان عن هذه المسؤولية المترتبة عليه في حق من استرعاه الله أمره من أولاده، فليست الإجازة سببًا يُسَوِّغ التفريط أو غضّ الطرف عما لا يجوز من أعمال وما لا يصح من سلوك بحجة الترفيه والتسلية وإرسال النفس على سَجِيّتها تفعل ما تشاء، وتذر ما تشاء، وإنما هي سبب يُقَوِّي جانب الرعاية، ويؤكد واجب العناية، ويتضح به شدة الحاجة إلى دوام التعهد، واستمرار الرقابة الحكيمة الواعية، الناشئة عن كثرة المخالطة واتصال السؤال ومتابعة الأحوال؛ لتنوّع الأخطار، وكثرة أسباب الفساد، مع سهولة التعرّض لها ويُسْر الاصطلاء بنارها. عافانا الله وإياكم وذرياتنا من كل سوء وفتنة. حديث: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.... وإن استشعار هذه المسؤولية لمن أعظم الامتثال لأمر ذي الجلال، إذ يقول في كتابه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].