والحقيقة أنّ اهتمامات ابن دلموك لم تنحصر في التعليم، وبناء المساجد، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وإنما امتدت أيضاً إلى المجالين الصحي والاقتصادي. فهذا المحامي والمؤرخ والشاعر المرحوم محمد سعيد النيار يخبرنا أنّ الرجل أحضر على نفقته الخاصة طبيباً من البحرين لعلاج وتطعيم مرضى دبي وبقية الإمارات. وهذا الباحث حسين بن إبراهيم البادي يصفه في كتابه «أعلام الإمارات» بـ«الرجل الذي كان اقتصاد المدينة يقف شبه معتمد على ثروته وما يملكه من سفن غوص». وقد تم العثور، ضمن وثائقه ومراسلاته، على رسالة قديمة موجهة منه إلى الشيخ أبو بكر ابن الشيخ عبدالله الملا في الأحساء، الأمر الذي يثبت أنه كان صاحب علاقة وثيقة بعلماء المالكية من آل الملا وآل مبارك وغيرهما من بيوتات العلم في الأحساء من جهة، ويثبت من جهة أخرى متانة العلاقات وقدمها بين شعوب ورجالات منطقة الخليج العربي. بظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني، وانهيار تجارة اللؤلؤ الطبيعي، وحلول الكساد الاقتصادي على ربوع الخليج، كان من الطبيعي أن تتأثر أوضاع ابن دلموك المالية ويتأثر بالتالي تمويله للمدرسة الأحمدية وطلابها. الشؤون الإسلامية تحدد أوقات صلاة العيد في مدن المملكة .. اخبار عربية. وهنا تقرر، كنوع من المساعدة، أن تستأجر الحكومة جانباً من المدرسة ليكون مقراً للقضاء، ريثما تتحسن الأحوال.
ت + ت - الحجم الطبيعي رويت عنه حكايات كثيرة تدل في مجملها على أنه كان صاحب كرم حاتمي مدهش. فقد قيل إنه إذا ركب الباخرة مسافراً استضاف كل من عليها طوال مدة الرحلة، وإنه كان يقدم الوجبات الثلاث في مجالسه يومياً لكل جائع وفقير، وإنّ عملية توزيع زكواته كانت تستمر شهرين أو أكثر في دبي والإمارات المجاورة، وإنه إذا أدخل يده في الكيس أو الصندوق أخذ من المال ملء يده وناوله المحتاج ومن دون أنْ يعد أو يحسب، الأمر الذي جعل اسمه مضرباً للأمثال في الكرم فيقال «مثل كرم ابن دلموك». ذلك هو الشيخ أحمد بن دلموك بن سعيد بن عبدالله بن حمدان الفلاسي، صهر الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم آل مكتوم، مؤسس دبي وحاكمها ما بين عامي 1912 و1958. وآل بو فلاسة الذين ينتمي إليهم ابن دلموك، طبقاً لما ورد في كتاب «الخليج بلدانه وقبائله» من تأليـــف «س. ب. مايلز»، قبيلة قضاعية قحطانية الأصل، ياسية الجد (نسبة إلى بني ياس). ولد ابن دلموك في دبي، ونشأ بها في ظل والده، الذي عــرف بين الناس بالبر والإحسان، وتلقى تعليمه في كتاتيبها، ولكنه أثرى ثقافته بالقراءة والسفر ومجالسة العلماء. وكان واحداً من كبار تجار اللؤلؤ الخليجيين، ومن ممولي سفن الغوص ومن المتاجرين في سلع متنوعة هندية المنشأ.