قلت: إن المراد من قول ابن عباس رضي الله عنه: "إنها منسوخة"، أنها مخصَّصة؛ لأن النسخ على عهد الصحابة والتابعين لا يراد به دائمًا النَّسخ بالمعنى الاصطلاحيِّ الأصولي، وإنما النَّسخ عندهم أعمُّ من مراد الأصوليين؛ حتى إنهم يطلقون على تخصيص العموم نسخًا. ومع ما تقدَّم من عدم إمكانية نسخ الآية، فإن من شروط النسخ: تحقُّق التناقض بين الدليلين حتى لا يمكن إلا اعتبار المتأخِّر ناسخًا للمتقدِّم، وإذا تأمَّلنا آية سورة النجم وآية سورة الطور لا نجد بين حكميهما تناقضًا، وإنما تعارضا في بعض ما يتناوله عموم آية سورة النجم وهم المؤمنون، فالحكم المقرَّر في آية النجم يشمل المؤمن والكافر بأنهم لا ينتفعون إلا بعملهم، وآية سورة الطور تثبت أن المؤمن ينتفع بعمل غيره، فكانت هذه الآية مخصِّصة لعموم آية سورة النجم.
وهذا الجواب أحسن من الأول. ليس للانسان الا ماسعى وان سعيه سوف يرى. وهناك جواب ثالث هو أن الآية الأولى منسوخة، لأنها في شرع من قبلنا لأن الله تعالى يقول: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} [سورة النجم: الآيات 36-39] فهذه تحكي ما كان في صحف موسى وصحف إبراهيم عليهما السلام. لكن جاءت شريعتنا بأن الإنسان ينتفع بعمل غيره فيكون ذلك نسخًا، وهذا الجواب ضعيف، والجواب الذي قبله أرجح في نظري. 40 4 393, 911
[12] ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/ 115، التذكرة ص82. [13] ينظر: لسان العرب، لابن منظور الأنصاري 2/ 151. [14] فتارة تعتبر النية ويلغى الفعل، وتارة يعتبر الفعل وتلغى النية. [15] ينظر: الجامع لأحكام القرآن، 17/ 67. [16] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ ابن حجر الهيثمي 7/ 114. [17] المعجم الكبير، للطبراني، 11/ 440. [18] زاد المسير 8/ 80. [19] ينظر: الجامع لأحكام القرآن، 18/ 114.
فالآية قررت هذا، وما سوى ذلك لم تتعرَّض له لا بالإثبات ولا بالإلغاء، والله تعالى أعلم، ثم وجدت من أشار إلى ذلك، وهو الإمام القرطبي رحمه الله [19]. هذا ما أردت بيانه، والله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يجعل علمنا وعملنا خالصًا لوجهه الكريم، إنه نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] ينظر: أسنى المطالب 2/ 412، حاشية الجمل 2/ 210، منح الجليل 1/ 509، الفتاوى الكبرى، لابن حجر الهيثمي 2/ 28. [2] ينظر: البحر المحيط، لأبي حيان 8/ 168. [3] ينظر: آراء الأصوليين بالاحتجاج بشرع من قبلنا في: أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد، د. مصطفى الزلمي، ص88. [4] ينظر: البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، 8/ 168. [5] ورد لفظ (الإنسان) في بعض المواطن، وأريد بها شخصٌ بعينه، إلا أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . [ النجم: 39]. [6] ينظر: زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، 8/ 168. [7] ينظر: البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، 8/ 168. [8] ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي، 4/ 98. [9] ينظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 18/ 114. [10] صحيح مسلم، 1/ 117. [11] رواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه 2/ 1414.
عطف على الآية السابقة والإعراب واحد.. إعراب الآية (45): {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)}. (وَأَنَّهُ خَلَقَ) معطوف على ما قبله (الزَّوْجَيْنِ) مفعول به (الذَّكَرَ) بدل (وَالْأُنْثى) معطوف.. إعراب الآية (46): {مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46)}. (مِنْ نُطْفَةٍ) متعلقان بخلق (إِذا) ظرفية شرطية غير جازمة (تُمْنى) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة في محل جر بالإضافة.. إعراب الآية (47): {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47)}. (وَأَنَّ) حرف مشبه بالفعل (عَلَيْهِ) خبر مقدم (النَّشْأَةَ) اسم أن المؤخر (الْأُخْرى) صفة.. إعراب الآية (48): {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48)}. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - موقع مقالات إسلام ويب. سبق إعراب مثيلها.. إعراب الآية (49): {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49)}. (وَأَنَّهُ) أن واسمها (هُوَ رَبُّ) مبتدأ وخبره (الشِّعْرى) مضاف إليه والجملة الاسمية خبر أن وجملة أنه معطوفة على ما قبلها.. إعراب الآية (50): {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50)}. (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً) أن واسمها وماض ومفعوله والفاعل مستتر (الْأُولى) صفة والجملة الفعلية خبر أنه والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها.. إعراب الآية (51): {وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51)}.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [سورة الطور: آية 22] الآية الكريمة تدل على أن الذرية يلحقون بآبائهم في درجاتهم، ويرفعون في درجاتهم، وإن لم يكن عملهم كعمل آبائهم. فظاهر الآية أنهم انتفعوا بعمل غيرهم وسعي غيرهم بينما الآية الأخرى تفيد أن الإنسان لا ينفعه إلا سعيه، وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بعدة أجوبة الجواب الأول: أن الآية الأولى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} مطلقة والآية الثانية: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} مقيدة، والمطلق يحمل على المقيد كما هو مقرر في علم الأصول. ان ليس للانسان الا ماسعى وان سعيه سوف يرى. والقول الثاني: أن الآية الأولى: تخبر أن الإنسان لا يملك إلا سعيه ولا ينفعه إلا سعيه ولكنها لم تنف أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من غير تملك له، فالآية الأولى في الملكية، والآية الثانية في الانتفاع. إن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره وإن لم يكن ملكه، ولهذا ينفعه إذا تصدق عنه وينفعه إذا استغفر له ودعا له، فالإنسان يستفيد من دعاء غيره ومن عمل غيره وهو ميت، والانتفاع غير الملكية، فالآية الأولى في نوع، والآية الثانية في نوع آخر، ولا تعارض بينهما.
وقال الربيع بن أنس: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يعني الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره. تفسير سورة النجم. قلت: وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول ، وأن المؤمن يصل إلى ثواب العمل الصالح من غيره ، وقد تقدم كثير منها لمن تأملها ، وليس في الصدقة اختلاف ، كما في صدر كتاب مسلم عن عبد الله بن المبارك. وفي الصحيح: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث وفيه: أو ولد صالح يدعو له وهذا كله تفضل من الله عز وجل ، كما أن زيادة الأضعاف فضل منه ، كتب لهم بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف حسنة; كما قيل لأبي هريرة: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فقال سمعته يقول: إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة فهذا تفضل. وطريق العدل أن ليس للإنسان إلا ما سعى. قلت: ويحتمل أن يكون قوله: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى خاص في السيئة; بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئة واحدة.
[16] وردت خواص لهذه السورة في بعض الروايات ، منها: عن النبي: «من قرأها ودخل على سلطان يخاف بأسه، كفاه الله شره». [17] قبلها سورة المنافقون سورة التغابن بعدها سورة الطلاق الهوامش ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 16، ص 142-152. ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 24. ↑ الألوسي، روح المعاني، ج 28، ص 441. ↑ الخرمشاهي، موسوعة القرآن والبحوث، ج 2، ص 1256. ↑ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 313. ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 11، ص 235. ↑ الرازي، التفسير الكبير، ج 30، ص 19. ↑ معرفة، علوم قرآن، ج 2، ص 168. ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 16، ص 148-155. ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 18، ص 239. ↑ سورة التغابن: 15. ↑ مغنية، تفسير الكاشف، ج 7، ص 344. ↑ سورة التغابن: 17. ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 19، ص 322. ↑ الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 4، ص 1649. ↑ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 3، ص 571. ↑ البحراني، تفسیر البرهان، ج 9، ص 307. المصادر والمراجع القرآن الكريم. سورة التغابن مكرره. الألوسي، شهاب، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، بيروت-لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1421 هـ. البحراني، هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن ، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1429 هـ.
AliExpress Mobile App Search Anywhere, Anytime! مسح أو انقر لتحميل
تلاوة من المصحف المرتل حفص عن عاصم.