الخامسة: أنَّ الساحر إذا عُلم أنه لا يفلح -أي لا ينال خيرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة- فإن من يأتيه حتى وإن كان غرضه حلّ السحر أيضًا يصيبه ما أصاب الساحر من الخيبة وعدم الفلاح ؛ ولهذا فإنَّ السحرة عندما يأتيهم آتٍ ولو كان مراده حلَّ سحرٍ أصابه لا يعالجونه إلا بتقربٍ للشياطين ، فربما عالجوا مرضًا يسيرًا في الشخص وأوقعوه في بلاء عظيم وهو الكفر بالله ، والوقوع في الشرك بالله ، والتعلق بالشياطين والتقرب لهم ، إلى غير ذلك. السادسة: أن هذه الآية تقوِّي في قلب المؤمن التوكل على الله والثقة به سبحانه وتعالى ؛ لأن الله عز وجل أخبر أن الساحر لا يفلح ، وقد قال الله سبحانه: { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] ، فهذا يقوِّي في العبد التوكل على الله ، والثقة بالله سبحانه وتعالى ، وعدم التفات القلب إلى السحرة وأعوانهم خوفًا منهم أو نحو ذلك ، بل يكون على ثقةٍ بربه وتوكلٍ على مولاه جل وعلا ، يزداد إيمانًا ، وثقةً بالله، وتوكلًا عليه وحده تبارك وتعالى، إيمانًا بأنه لا يمكن أن يضره شيء إلا بإذن الله تبارك وتعالى ؛ فهو إليه وحده يلجأ ، وعليه وحده يتوكل ، وبه وحده يستعين.
تاريخ النشر: الخميس 16 شوال 1442 هـ - 27-5-2021 م التقييم: رقم الفتوى: 442780 2714 0 السؤال كنتم قد أعطيتم فتوى أو جواب أخذ رقم: 142597. لأحد السائلين عن معنى النفاثات في العقد بأنهم السحرة والساحرات. كيف يستقيم هذا التفسير، والله يقول في سورة طه: ولا يفلح الساحر حيث أتى؟ الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فقول الله تعالى: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه: 69] لا ينفي وجود السحر وعقده وتأثيره! بل في الآية نفسها قال الله قبلها: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ [طه: 69] فللساحر عمل يكيد به! ونفي الفلاح عنه الساحر لا يتعارض مع ذلك. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و{يُفْلِحُ} معناه يبقى ويظفر ببغيته، وقالت فرقة معناه أن الساحر يقتل حيث ثقف، وهذا جزاء من عدم الفلاح. اهـ. وقال ابن الجوزي في زاد المسير: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ} قال ابن عباس: لا يسعد حيثما كان.. وقيل: لا يفوز. وروى جندب بن عبد الله البجلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: إذا أخذتم الساحر فاقتلوه، ثم قرأ {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى} قال: لا يأمن حيث وجد. اهـ.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ولا يفلح الساحر الآية. يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر ، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: حيث أتى وذلك دليل على كفره. لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفيا عاما إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر. ويدل على ما ذكرنا أمران: الأول هو ما جاء من الآيات الدالة على أن الساحر كافر. كقوله تعالى: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الآية [ 2 102]. فقوله وما كفر سليمان يدل على أنه لو كان ساحرا وحاشاه من ذلك لكان كافرا. وقوله ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر صريح في كفر معلم السحر ، وقوله تعالى عن هاروت وماروت مقررا له: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر [ 2 102] ، وقوله: ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق [ 2 102] أي: من نصيب ، ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذا بالله تعالى. وهذه الآيات أدلة واضحة على أن من السحر ما هو كفر بواح ، وذلك مما لا شك فيه. الأمر الثاني أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة لا يفلح يراد بها الكافر ، كقوله تعالى في سورة " يونس ": قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون [ 10 68 - 70] ، وقوله في " يونس " أيضا: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون [ 10 17] ، وقوله [ ص: 40] في " الأنعام ": ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون [ 6 21].
وقد تكرّر تقرير هذه القضيّة في سياقٍ آخر، جاء في حوارٍ مباشرٍ بين فرعون ملئه من جهة، وموسى وهارون -عليهما السلام- من جهةٍ أخرى، وذلك حينما ردّ القوم المعجزات ونفوا دلالتها على النبوّة، واعتبروها من قبيل السحر، قال لهم موسى عليه السلام موبّخاً ومعاتباً: {أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} (يونس:77)، فعدم الفلاح أمرٌ متقرّر معلوم، والشواهد عليه من الواقع كثيرةُ لا تُحصى. مفهوم الفلاح المنفي قبل الاستطراد في تناول هذه القضيّة يحق لنا أن نتساءل: ما هو المفهوم من كلمة الفلاح؟ وما المقصود من نفيه؟ هنا نجد أن العلماء يركّزون على الأسلوب البلاغي الذي جاء به التعبير القرآني: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} (طه: 69). يقولون: النكرة في سياق النفي تفيد العموم، والمقصود بذلك هو أن لفظ (ساحر) جاء مسبوقاً بالألف واللام، وبالتالي أصبح اسماً يشمل كل ساحر –اسم جنس كما يُعبّر اللغويّون-، ثم إن الفعل هنا جاء في سياق النفي، وذلك يكسبه صفة العموم، بمعنى أن الساحر لا يمكن أن يتّصف بالفلاح، مهما فعل. وهذا العموم في النفي، يشمل: -نفي الفلاح في الدنيا: والفلاح في اللغة: البقاء في النعيم والخير، والفوز بما يٌفرح به ويكون فيه صلاح الحال، وبعبارةٍ أخرى، هو الذي ينال المطلوب وينجو من المرهوب، فالساحر لا يحصل له شيءٌ من ذلك.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فمهوى أبصارنا ميعاد يتنور مع هتيك المرسوم الموسوم بـ: (قواعد قرآنية) ، نمضي فيه الساعة بزورق قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي يحتاجها الناس، كل الناس، وخصوصاً في هذا الزمن الذي روجت فيه سوق السحرة والمشعوذين، إنها القاعدة التي بثها المولى في قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] (1)، وفي معنى هذه القاعدة قوله تعالى ـ على لسان موسى ـ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس: 77].