الوظائف السياسية: وتشمل اختيار الإمام، ومبايعته أو مبايعة المعهود له إن ارتضوه، ونصح الحاكم، وعزله إن طرأ ما يوجب العزل وقدروا عليه بلا ظلم ولا فتنة، وهي أعسر مهمة، وأخطر الوظائف. وظائفهم حال خلو الزمان من إمام أو تفريطه: حيث تنتقل إليهم صلاحيات الإمام وواجباته؛ حتى لا تضيع مصالح الناس، ولا ينفرط أمن البلد، وتسير شؤون الدولة بانتظام؛ حتى يختاروا إماماً شرعياً لها. بينما يدرس الفصل السادس عددهم ، ويقرر المؤلف أن مسألة العدد مرتبطة بمهمة اختيار الإمام أو خلعه، دون المهام الأخرى لأهل الحل والعقد، وفي المسألة قولان؛ إذ يشترط الأول توافر عدد معين تنعقد به الإمامة، ويقع ضمن هذا الاتجاه أقوال عدة، والاتجاه الثاني لا يشترط عدداً معيناً، وبعد عرض الأدلة ونقاشها، يرجح المؤلف أن الإمامة تنعقد بجمهور أهل الحل والعقد من ذوي الشوكة والقدرة والسلطان. ويناقش الفصل السابع مسألة طاعتهم ، فنظراً لصلاحياتهم الواسعة هل يجب على أفراد الأمة طاعتهم؟ وبعد شرح المسألة، يخلص المؤلف إلى وجوب طاعة أهل الحل والعقد؛ من العلماء والزعماء والوجهاء والأمراء، كما يجب الانضواء تحت سلطتهم وعدم منازعتهم، والشرط الأساس في كل طاعة؛ أن تكون بالمعروف، وفي غير معصية الله.
فإن اختلف أهل الحل والعقد وجب اتباع جمهورهم، وإن التبس الحق على المرء؛ فله أن يعتزل إذا لم يمكنه التمييز أو الإصلاح. وإذا اختلف أهل العلم مع أهل السلطة، فالواجب طاعة أهل العلم؛ على اعتبار أن رأيهم متوافق مع الشريعة ومقاصدها. وعنوان الفصل الثامن والأخير مقارنة مع النظام الديمقراطي الحديث ، ويصفه أ. الطريقي بأنه من المكملات الجمالية لبحثه، ويبرز سمو النظرية والتطبيق في النظام الإسلامي، حيث يتشابه معه النظام النيابي الغربي في أوجه، ويختلف عنه في أوجه أخرى. فمن وجوه الشبه بينهما: فكرة النيابة والوكالة، ووجود اشتراطات في الأعضاء، وأن النواب هم مشاهير الأمة غالباً، ولهم صلاحيات واسعة جداً. وأما أوجه الاختلاف فهي كثيرة، حيث يختلفان في النشأة والتطور، وصفات الأعضاء وشروطهم، ووظائفهم ومهماتهم، ومن حيث الخصائص، ويكفي النظام الإسلامي أنه جاء مع الدين والوحي، ولم ينتزعه الناس بعد صراع مرير كما في الأمم الأخرى، وختم الباحث سياحته المضنية الماتعة، بنتائج وتوصيات، آخرها وصية عامة للمسلمين؛ بمعرفة حق هذه الهيئة ومنزلتها، وأهمية الرجوع إليها ومؤازرتها. وقد جعل الله من بركة العلم وأهله إذا صدقوا، ونصحوا، واتقوا ربهم، ما يحفظ به البلاد والعباد من الشبهات، والشهوات، والفتن والاضطرابات، وكم يحتاج عالمنا الإسلامي، إلى عملية إحياء حقيقية لمؤسسة العلم وولاية أهله؛ كي تكون سلطة العلماء مستقلة، تراقب السلطات التنفيذية، والتنظيمية، والقضائية، وتقوِّم اعوجاجها، ولو أن أهل العلم صانوه لكان أهله كذلك، وأزيد، وأقوى أثراً، وأعظم نفعاً.
نقلاً عن موقع رابطة العلماء السوريين الشيخ فتحـي أبــو الــورد يتردد مصطلح أهل والعقد على ألسنة الكثيرين، دون أن يكون هناك مدلول واضح فى الأذهان، وكذا مصطلح أهل الشورى! ولا نكاد نجد تعيينًا محددًا لما سماه الفقهاء قديمًا أهل الحل والعقد، وإنما نجد أوصافًا لهم. فمن القدامى تعريف النووي لهم في «منهاج الطالبين» بقوله: إنهم العلماء والرؤساء ووجوه الناس. ومن المعاصرين الدكتور عبد الكريم زيدان الذي يرى: أنهم المتَّبعون في الأمة، الحائزون على ثقتها ورضاها، لما عُرفوا به من التقوى والعدالة والاستقامة وحسن الرأي ومعرفة الأمور والحرص على مصالح الأمة. ويذهب الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى أن عبارة أهل الحل والعقد تشير إلى عنصر التأثير الاجتماعي الذي يتمتع به فريق من الناس، بحيث يكون انحيازهم لشخص أو رأي أو قرار مدخلًا كافيًا لرضا الناس به ودخولِهم فيه وانصياعِهم لحكمه. وهذا كلام له وجاهته، ويراعي ما كان عليه الأمر فى صورة الدولة الأولى، أما فى مفهوم الدولة المعاصرة فإن الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية وغيرها تمثل عنصر التأثير الاجتماعي والسياسي. وأكبر مهمة لأهل الحل والعقد كما حددها فقهاؤنا القدامى أمثال الماوردي وأبي يعلى الفراء فى الأحكام السلطانية أنهم يتولون أمر اختيار الإمام بعد البحث والتدقيق، ويوجبون العقد، وهم مسؤولون عن إتمامه وإنفاذه.
أما بالنسبة إلى طرق اختيار من يشغل المناصب العليا في الدولة مثل الرئيس أو مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو المحكمة العليا فإنه لم يبق اليوم لدينا سوى طريق واحد هو (الانتخاب) طبعاً من الناحية النظرية البحتة يمكن أن تكون لدينا طريقة أخرى هي (التوافق) ولكن هذه الطريقة من الناحية العملية أقرب إلى المستحيل بسبب ضخامة المجتمعات. وإذا كان لا مناص من الانتخاب، فلا فرق من الناحية الشرعية بين أن يختار الناس رأس السلطة بطريقة مباشرة، وبين أن يختاروا مجلس الشورى أو مجلس الشعب، ويقوم المجلس باختياره وإن الخبرة العلمية المتراكمة في هذه النقطة لا تعطي ميزة لأي منهما، إذ المقصود هو أن يتضح تعبير الأمة عن رضاها وعن مساندتها لمن سيتولى أمورها. طبعاً نحن نعرف أن الانتخابات تأتي بالفاضل والمفضول وبالجيد والرديء، ولكن علينا القبول بذلك لأنه لا بديل لدينا عنها سوى الاستبداد أوالاقتتال، وإذا استطعنا توفير بديل، يتم فيه التعبير عن رضا الأمة إلى جانب الخلاص من سلبيات الانتخابات، فإن الصيروة إلى ذلك البديل تصبح واجباً شرعيّاً، لأننا مأمورون في باب المصالح المرسلة بتكثير الخير والتقليل من الشر. إشكالية الانتخابات: طبعاً معظم الشعوب الإسلامية تعاني معاناة شديدة من مسألة الانتخابات، ومصدر معاناتهم تنبع من أمرين: الفقر: حيث يتم شراء أصوات الفقراء بطرق مختلفة من قبل المرشحين الأغنياء ومن يدعمونهم.