قال تعالى: {والسماء رفعاها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} قال تعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
أي أنه إذا أخذ لنفسه أخذ أكثر من حقه، وإذا أعطى أعطى أقل من الواجب.. كما قال تعالى: { إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد، { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أي ينقصون. والتطفيف الذي ذكر في الآيات إنما هو التطفيف في المكيلات والموزونات لأنه كان أكثر استعمالات القوم وقتئذ.. غير أن جماعة من العلماء ذهبوا إلى أن التطفيف يدخل في كل الحقوق بل وحتى في العبادات؛ قال الإمام القرطبي: "وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث. وقال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف. وروى عن سالم ابن أبي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك { ويل للمطففين}". قال النابلسي: ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير التي يتعامل بها الناس. من هم المطففين؟. وذهب البعض إلى أن كل تصرف يؤدي إلى أن يأخذ الإنسان أكثر من حقه أو أن يعطي لصاحب الحق أقل من حقه فهو تطفيف.. فمثلا رجل يبيع بضاعة رديئة ثم هو يطبع عليها مطبوعات على أنها صنعت في بلد كذا ليبيعها بسعر أكبر مما ينبغي هو من المطففين.. ورجل يحقن النباتات بهرمونات أو مكسبات طعم أو ألوان لتظهر على خلاف حقيقتها فهو غاش ومطفف، ورجل يحقن الدجاج المذبوح بالماء ليثقل وزنه وليبيعه بأكثر من ثمنه مطفف غشاش.
وردت هذه الآية لتدعوا الناس إلى العدل في الميزان وعدم بخس حقوق الناس فالبخس بالحقوق ما هو إلا فساد في الأرض وعقوبة هذا الفساد شديدة، وعلى الناس ألا تنشغل بالحياة الدنيا عن الدار الآخرة. من هم القوم المطففين تشير صفة المطففين إلى أصناف عدة فمن المطففين زوج يريد من زوجته أن تمنحه حقوقه كاملة في حين أنه يبخس حقها، وتتمثل أيضًا في صاحب يريد أن يقدم له صديقة فروض الولاء والحب دون مقابل. وكذلك ينطبق قول المطففين على الذين لا يمنحون الناس حقوقهم عن عمد على الرغم من مقدرتهم على ذلك، ويندرج تحت هذا المفهوم أيضًا الموظف الذي يطمح في أن يحصل على راتبه كاملًا دون أن يمنح العمل حقه. وكذلك يتمثل التطفيف في عدم منح المدراء رواتب مجزية للموظفين نظير تأديتهم لمهامهم على أكمل وجه، ونستدل مما سبق على أن مفهوم التطفيف واسع ويشمل الكثير من الفئات حيث يتمثل في أي عمل ينتج عنه تعدي على حقوق الآخرين أو الحصول على حقوق باطلة. وقد وصف الله عز وجل المطففين في بداية سورة المطففين في قوله عز وجل: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون}.